22 نوفمبر 2025
تسجيلبعد قطيعة مرّة بدأت في 24 نوفمبر 2015 عادت المياه تجري في أنابيب العلاقات التركية - الروسية. حادثة إسقاط تركيا طائرة روسية في ذلك التاريخ فتحت أكبر أزمة سياسية واقتصادية بين البلدين. وكان الوضع الاقتصادي الأكثر تأثرا حيث فرضت روسيا عقوبات قاسية على تركيا. منعت السياح وهم 5 ملايين سائح سنويا من الذهاب إلى روسيا فتراجع العدد في النصف الأول من العام 2016 بنسبة 98 في المائة. ومنعت روسيا استيراد المنتجات الزراعية والغذائية ومنعت رحلات الشارتر المباشرة وضيقت على الشركات التركية والعمالة التركية في روسيا. كذلك انسحبت القطيعة على حركة تركيا في سوريا حيث امتنعت تركيا تحت وطأة التهديد الروسي من تحليق طائراتها الحربية فوق سوريا. في المقابل فإن روسيا رغم أنها دولة عظمى وقوية عسكريا واقتصاديا غير أنها تأثرت بدورها بالتوتر مع تركيا خصوصا في ظل تراجع سعر الروبل وتراجع أسعار النفط وفي ظل العقوبات الاقتصادية الغربية عليها بسبب الأزمة الأوكرانية. كذلك تواجه روسيا المزيد من التمدد الأطلسي إلى حدودها. وبالتالي وجد البلدان أن الاستمرار في القطيعة لا يخدم مصالح البلدين. لكن تركيا المتضرر الأكبر من القطيعة عملت على المبادرة لترميم العلاقات عبر إيجاد وسطاء مع روسيا منذ نهاية مارس الماضي وهو ما نجحت فيه عبر كازاخستان وداغستان وانتهى إلى رسالة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين تتضمن نوعا من الاعتذار غير المباشر عن إسقاط الطائرة. وجاء الإعلان عن بدء تطبيع العلاقات في 27 يونيو الماضي وأعلن عن لقاء في أواخر آب/أغسطس في قمة العشرين بين أردوغان وبوتين. بعد ذلك بعشرين يوما فقط حدث الانقلاب العسكري في تركيا في 15 يوليو. وجاء فشل الانقلاب واتهام أردوغان للولايات المتحدة بأنها شريكة في الانقلاب وبأنها تحمي العقل المدبر له أي فتح الله جولن المقيم في الولايات المتحدة ليدفع في مسار تطبيع العلاقات التركية مع روسيا قدما. وقد أحسن الرئيس الروسي في التقاط اللحظة بأن يكون أول رئيس أجنبي يدين الانقلاب ويتصل هاتفيا بأردوغان وهو ما كان له أثر بالغ في تقريب النفوس والقلوب. وكان تحديد أقرب لموعد لقاء الرئيسين ليكون في التاسع من آب/أغسطس في سان بطرسبرغ، وليكون أول لقاء مباشر بينهما منذ مطلع نوفمبر 2016 في قمة العشرين في أنتاليا في تركيا، ولكن بعد اتصالين هاتفيين في 27 يونيو و16 يوليو بعد الانقلاب. من الواضح أن تركة القطيعة كانت ثقيلة. لذا ركز الزعيمان مباحثاتهما على الجانب الاقتصادي والعمل على إعادة التطبيع تدريجيا مع تحديد مهل حتى نهاية السنة لاستعادة العلاقات طبيعتها الكاملة. ذهب الطرفان إلى سان بطرسبرغ وفي عقلهما الاقتصاد أولا. والدول يفترض أن تتعاطى بواقعية مع مصالحها بعيدا عن الخيارات الإيديولوجية وهو على ما يبدو خيار بوتين وأردوغان الجديد. مع وعود وخطط بعودة العلاقات التجارية ورفع الحظر عن سفر السواح وإلغاء العقوبات الاقتصادية. طبعا هذا يأخذ بعض الوقت لكن لهجة الزعيمين أنها ستكون مؤكدة. ولا شك أن الجميع يتساءل عن تأثير القمة على علاقات تركيا بالغرب وعلى الموقف التركي من سوريا. وهذه الموضوعات لا ينتظر فيها ظهور نتائج فورية أو توقع نتائج استثنائية.فالعلاقات التركية الغربية عميقة وعريقة وإحداث تحول فيها ليس بالسهولة التي يعتقدها البعض. كذلك الأمر بالنسبة للموقف من سوريا حيث إن تركيا بمفردها غير قادرة حتى لو أرادت أن تغير من موقفها من دون التشاور مع آخرين مثل السعودية وأمريكا والغرب. لكن هذا لا يعني أن مرحلة ما قبل الانقلاب من علاقات تركيا الخارجية ستبقى دون تغيير أو تأثر. كذلك فإن روسيا تسعى لخرق الحصار الغربي عليها بإقامة علاقات مع بلد أطلسي تحديدا وهذا مكسب لروسيا. لكن من المبكر بعد الحديث عن تحول جذري في سياسات تركيا أو روسيا في قضايا خارجية متعددة وهو ما يوجب انتظار تبلور الحقائق والوقائع والمزيد من الدرس والتقييم لكل جوانب هذه القضايا.