13 سبتمبر 2025
تسجيلكان السؤال الأكثر طرحاً في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الدوائر الإعلامية والأكاديمية الأمريكية هو لماذا يكرهوننا؟ وكان المقصود بطبيعة الحال العرب والمسلمين، حيث زعمت هذه الدوائر أن الهجمات لم تكن سوى عرض لمشكلة أعمق ألا وهي مشكلة كراهية أمريكا. متابعة تصريحات مرشحي الرئاسة الأمريكية المحتملين ومواقفهم العدائية تجاه الإسلام تجعل من الممكن عكس طرفي السؤال، فيصبح السائل هو المسلمون، والمسؤول هم الأمريكان، لماذا تكرهنا أمريكا؟ محاولة الإجابة عن هذا السؤال تستلزم البحث في مستويات أعمق من مستوى متابعة الأحداث الجارية، وذلك للوقوف على الصورة الذهنية للأمريكيين إزاء سكان هذه المنطقة من العالم، وأحد طرق ذلك هو متابعة المؤلفات التي ألفها الأمريكيون أنفسهم عن تاريخ بلادهم في الشرق الأوسط. أحد أهم هذه الكتابات هو كتاب المؤرخ والسياسي الأمريكي/الصهيوني مايكل أورين، بعنوان: القوة والإيمان والخيال: أمريكا في الشرق الأوسط من 1776 وحتى اليوم. يؤكد أورين في كتابه أن الاعتقاد السائد لدى الغربيين بخصوص أهل الشرق يتلخص في أنهم يدينون بدين غريب (الإسلام)، وأنهم رغم انحدارهم من حضارة كبيرة انهارت منذ زمن طويل، إلا أنهم بدائيون، يتميزون بالعنف والقسوة. كما يحب كثير من الأمريكيين أن ينظروا إلى الشرق الأوسط بوصفه مرتعا للفساد والطغيان والتخلف، أي صورة نقيضة لما يعيشه الأمريكيون من ديمقراطية وثقافة وحضارة. ويقر أورين بأنه رغم أن الولايات المتحدة كانت تفخر في بدايات تكوينها كدولة بالتسامح الديني، فإن هذا التسامح كان نادرًا ما يمتد إلى الإسلام، لأن الأمريكيين لم يكونوا ينظرون إليه كدين، وكان الكثير من رجال الدين البروتستانت ينددون بالإسلام باعتباره عقيدة باطلة، ومما زاد من هذا الانطباع السيئ عن الإسلام الترجمات المغرضة للقرآن الكريم، والتي لم تكن تهدف إلى الترجمة الحرفية لمعانيه، بقدر ما كانت تهدف (كما يزعم أصحابها) "إلى كشف التناقضات والتجديف والقصص الخيالية المضحكة"، أو "إلى تعريف المسيحي بأعدائه على نحو أفضل حتى يتمكن من التغلب عليهم ومهاجمة دينهم بنجاح". كما وصلت الصور السلبية عن الشرق الأوسط لأمريكا عن طريق مذكرات الدبلوماسيين والرحالة الأوروبيين، وكانت هذه المذكرات ترسم صورة للشرق الأوسط على أنه مكان غريب وخطير في آن واحد، وتصف نساءه بأنهن لعوبات، ورجاله بأنهم منفلتون، كما كان هناك كتاب متعصبون يصفون شعوب المنطقة بأنهم همجيون، غارقون في الغنائم والأسلاب، يفقئون أعين سجنائهم المسيحيين ويقطعون أيديهم وأرجلهم. ترك هذا الافتقار إلى أي معرفة حقيقية وموضوعية بالشرق الأوسط فراغًا كان من السهل ملؤه بإشاعات عن المنطقة، أبرزها عداؤها المزعوم للغرب. ولكن لم يكن الأمر كله نابعا من الإشاعات فقد كان ثمة ميراث صراعي حقيقي بين العرب وأمريكا. ذلك الصدام هو ما يطلق عليه الأمريكيون "حروب البربر". ففي سبعينيات القرن الثامن عشر كان خُمس الصادرات السنوية للمستعمرات الأمريكية يذهب إلى موانئ البحر المتوسط على متن أكثر من مائة سفينة أمريكية، وكان البحارة المسلمون هم الخطر الأوحد الذي يهدد هذه الصادرات، وكان هؤلاء المجاهدون يبحرون من المغرب والمناطق العثمانية شبه المستقلة في ليبيا وتونس والجزائر لمهاجمة السفن المسيحية التي تبحر أمام سواحلهم، ردا على الهجمات التي تشنها الجيوب الصليبية في صقلية، ومالطة، وطرابلس (فرسان القديس يوحنا) على حواضرهم. وقد ظهرت جرأة المجاهدين المسلمين في أكتوبر ١٧٨٤، عندما هاجموا السفينة الأمريكية بيتسي التي تصل حمولتها إلى ٣٠٠ طن واستولوا عليها، وبعد ثلاثة أشهر من الاستيلاء على بيتسي استولى البحارة الجزائريون على سفينتين أخريين هما دوفين وماريا وأسروا واحدًا وعشرين من أفراد الطاقم الأمريكيين. لهذا السبب كان السياسيون الأمريكيون يرون في العرب المسلمين شرا مستطيرا، يعصف بالطموحات الاقتصادية للولايات المتحدة، حتى أن الصحف الأمريكية الصادرة في تلك الحقبة تنافست في نقل أخبار، بعضها حقيقي وأغلبها مختلق عن الصعوبات والمخاطر الهائلة التي يواجهها البحارة والسفن الأمريكية عند عبورها أمام سواحل بلاد الإسلام. وكان الأمريكيون يضطرون في أحيان كثيرة إلى دفع فديات ضخمة لتحرير سفنهم وأسراهم، واضطر الأمريكيون إلى تأجير بوارج حربية هولندية أو إسبانية لمرافقتهم وحمايتهم عبر البحر المتوسط. ويزعم المؤلف أن الحكومة الأمريكية كانت توجه ما يقرب من ٢٠٪ من دخلها السنوي لدول شمال إفريقيا، في شكل ذهب أو أحجار كريمة، أو حتى في شكل مدافع أو ذخيرة أو سفن حربية لتسمح لها بالمرور الآمن. ورغم أن الأمريكيين في هذا الوقت كانوا يمتلكون ملايين العبيد من السود، إلا أنهم لم يستطيعوا أبداً تقبل فكرة أن يمتلك الأفارقة عبيدا من البيض، وكان النفور من هذه الفكرة أحد الدوافع التي وافقت على أساسها الولايات المتحدة أن تبدأ في بناء قوة بحرية، تحمي التجارة الأمريكية من هجمات من يسمونهم قراصنة العرب. ويؤكد المؤلف أن التهديد الذي مثله مسلمو شمال إفريقيا كان أحد العوامل التي دفعت المستعمرات الأمريكية الكونفيدرالية إلى التقارب بشكل أكبر وتشكيل ما صار نواة الاتحاد الفيدرالي الأمريكي. حتى أنه يتندر على الدور الذي لعبه الشرق الأوسط في نشأة الولايات المتحدة الأمريكية بالقول: إن الداي الجزائري، بوصفه أحد رعاة الغارات على السفن الأمريكية، يمكن أن يعد أحد الآباء المؤسسين للدستور الأمريكي. هكذا يؤصل الأكاديميون الغربيون لفكرة العداء للمشرق المسلم. وحتى لو كان السياسيون الأمريكيون لا يستوعبون كل هذه التفاصيل فإن المشاهد أن العداء للإسلام والمسلمين قد أصبح طقسا انتخابيا لابد أن يمارسه الجميع كي يكتسبوا تأشيرة المرور إلى المراحل الأعلى من المنافسة السياسية. المصدر: مايكل أورين، بعنوان: القوة والإيمان والخيال: أمريكا في الشرق الأوسط من 1776، مؤسسة كلمات.