16 سبتمبر 2025

تسجيل

منطق الإنجازات الشكلية

13 أغسطس 2014

تركز العديد من التقييمات للوضع السياسي المصري على ظاهرة غياب المشاركة مع النخب السياسية، فالرئيس الحالي لا يهتم بأن يشرك معه نخبا من أي نوع، فلا يوجد تنظيم حزبي صريح، ولا مكان للنخبة الثورية (على الأقل من ثوار 30 يونيو)، كما لا يوجد فكر سياسي يجمع المؤيدين، فقط هناك المجموعات الانتهازية من الأحزاب الليبرالية واليسارية، فضلا عن بقايا الحزب الوطني ممن ينتظرون الفرصة لإعادة تنظيمهم السياسي إلى حيز الوجود.النظام الجديد إذن لا يفضل المشاركة مع الآخرين بقدر ما يفضل العمل من خلال أسلوب الإنجازات التي يفاجئ بها الجميع، ويأخذ قراراتها بنفسه من دون الرجوع إلى أحد، إلا في إطار دائرة ضيقة من مستشاري المؤسسات الحكومية وعلى رأسها الجيش، وذلك في إطار الفكر الدولتي الذي قرر أن يمارس السياسة من خلاله. ولكن الإنجازات التي يتم الترويج لها حاليا تبدو في قدر كبير منها خاوية من المضمون، فالإنجازات ليست مجرد شعارات للاستهلاك المحلي، وإنما هي تغيرات على الأرض، تنقل حياة الناس إلى الأفضل، وكون النظام الحالي ينجح في الحشد والدعاية فإن هذا لا يحول الإنجازات الشكلية التي يروج لها عبر أسلوب البروباجندا السياسية إلى إنجازات حقيقية. نظرة سريعة على إنجازات نظام 3 يوليو توضح هذه الفكرة.أول الإنجازات الشكلية التي يدعيها النظام الحالي هي نجاحه في الإطاحة بجماعة الإخوان، التي تم تصويرها على أنها سبب كافة مشكلات المصريين، من انقطاع الكهرباء، إلى نقص الوقود، إلى غلاء المعيشة، ويذكر الجميع كيف اقترن الانقلاب على الجماعة بالعبارة الشهيرة (بكرة تشوفوا مصر)، في إيحاء بأن زمن الإخفاقات سينتهي بمجرد مغادرة الجماعة وممثلها في الرئاسة سدة الحكم.ولكن إخفاقات العام الوحيد الذي قضاه الإخوان في الحكم مازالت قائمة، وربما بشكل أسوأ، فقد أطاح النظام الجديد بالإخوان، ولكن المشكلات التي ادعى أنهم تسببوا فيها لم تحل، أما ما ينسب للنظام من نجاح في وقف مشروع أخونة الدولة، فقد تبين أنه بدوره لم يكن سوى مبالغة سياسية، فالجماعة لم تنجح في التغلغل في أي من المؤسسات السيادية أو غير السيادية، حتى يمكن الزعم بعد ذلك بأن النظام قد نجح في درء خطر تغلغلها في أبنية الدولة، والدليل هو تلك السهولة التي تم بها تدبير الانقلاب عليهم.من الإنجازات الشكلية أيضا "المسار السياسي البديل" أو ما عرف بـ"خارطة الطريق". هذا المسار الجديد تم تصويره على أنه إنجاز حقيقي، وليس انقلابا على المسار الأصلي للثورة، ومع ذلك فإن واضعي المسار الجديد أنفسهم تراجعوا عنه في مستهل تنفيذه من خلال تقديمهم الانتخابات الرئاسية على الانتخابات البرلمانية على عكس ما أقرته خارطة طريق الانقلاب. ثم هناك المبالغات غير المستساغة التي شابت هذا المسار في كافة مراحله (الفوز بنسبة 98.1 % في انتخابات الرئاسة). وأخيرا هناك الصياغات المعيبة لنصوصه القانونية مثل قانون الانتخابات البرلمانية الذي صيغ على نحو ييسر صعود رجال نظام مبارك ورموز الحزب الوطني (74% على أساس النظام الفردي)، في حين يقصي الخصوم السياسيين الحقيقيين والأحزاب. الأمر نفسه فيما يتعلق بالمشروعات التي تم الإعلان عنها في أعقاب الانقلاب. مثل مشروع الجيش لعلاج مرض الإيدز وفيروس سي، والذي ظل مجرد يافطة دعائية لم يتم تفعيلها في الواقع، وعندما حان أجل دخول المشروع حيز التنفيذ تم تأجيله بحجة إجراء المزيد من التجارب، ما أظهر المشروع على أنه مجرد محاولة لإبراز إنجازات وهمية، تستغل لحشد التأييد الشعبي قبل أن يطويها النسيان. وبنفس هذا المنطق يمكن أن نصنف مشروع القناة الموازية، الذي يشتكي الخبراء المختصون أنهم لم يستشاروا بشأنه، كما لم يتم إجراء حوار مجتمعي حوله، ما يمكن أن ينتهي به هو الآخر إلى مجرد إنجاز شكلي يدعم شرعية السلطة القائمة فقط على نحو مؤقت. الإنجاز الوحيد الذي يمكن القطع بأن النظام الحالي قد حققه في الفترة السابقة هو استعادة الاستقرار وفقا لمعناه السلبي، وذلك عبر إضفاء الجمود على الحياة السياسية، وتجريد البلاد من الحيوية التي تمتعت بها في أعقاب ثورة يناير، وذلك من خلال الإقصاء المنظم للمعارضة، واستخدام القانون من أجل إزاحة المخالفين، وتشديد القبضة الأمنية لإرهاب المعارضين. وكان من نتيجة هذا الإنجاز أن استطاع النظام تمرير حزمة من القرارات الاقتصادية القاسية (الإلغاء الجزئي للدعم) والمضادة للحريات (قانون التظاهر) والتي كانت في الأوضاع العادية ستواجه بمعارضة كبيرة. ولكن تراجع المناخ الثوري، والخوف من القبضة الأمنية الغليظة، والأحكام القضائية المبالغة في القسوة مكن النظام من تمرير هذه القرارات بسهولة تثير الدهشة.ولكن إذا كانت الإنجازات الشكلية يمكن أن تكسب تأييد بعض الناس لبعض الوقت فإنه من غير الممكن أن يستمر تأثيرها المبالغ فيه طوال الوقت، فمتى ثبت للناس أن هذه الإنجازات بلا مردود حقيقي أو أنها مجرد فقاعات إعلامية بغرض الحشد السياسي فسوف تنقلب إلى إحباطات، وربما تتحول لوقود لغضب شعبي يطالب بتغييرات حقيقية.وإرهاصات ذلك تبدو متحققة فعليا، فالكثير من المصريين بدأوا في التحرر من وهم أن جماعة الإخوان كانت هي سبب النكبات التي حلت بالبلد، خاصة وهم يرون أن النظام الجديد لم ينجح في تجاوز ما اتهم الإخوان بالتقصير فيه. أما أسوأ ما يتعلق بسياسية الإنجازات الشكلية فهو أن كثيرا منها يرتبط تحقيقه بالوقوع أكثر وأكثر في فخ الديون الخارجية، كما أن بعضها الآخر يرتبط تحقيقه بالإذعان لشروط سياسية على غرار المساهمة في مقاومة الحركات الجهادية في العراق والشام، وهذا أيضا له تكلفته السياسية الداخلية. فإلى أي مدى يمكن أن تستمر مؤسسات الدولة في دعم مشروع سياسي بهذه المواصفات؟