18 سبتمبر 2025

تسجيل

ساهر الليل والآهات والدموع

13 أغسطس 2012

يواصل ساهر الليل وطن النهار عرض حلقاته التي أثارت جدلا واسعا بين الجميع خصوصا في العراق ودول الخليج العربي فهذا المسلسل لم يستفز المشاهد فحسب ولم يسلم من سقطات وأخطاء إخراجية فحسب وإنما مس وترا منسيا في الأعماق وأيقظ جراحا غافية وفجر في المآقي ينابيع الدمع التي كانت قد صارت مع الأيام جبالا من الملح وسالت فجأة مع أول مشهد للوجع في هذا المسلسل الذي أعادنا إلى مرحلة مرت كالكابوس في ذاكرة الأمة العربية كانت بمثابة الخنجر الذي انغرس في الظهر فجأة ودون مقدمات قد كان ألما مريرا وجرحا قاسيا ولكن لاشيء أكثر ألما من الجراح كالنبش في الجراح ومحاولة إيقاظها من جديد هنا يكون الجرح أكثر إيلاما وأعمق وجعا وأكثر نزفا وكأنك توقظ الميت من موته لتقتله من جديد ساهر الليل قدم من خلال حلقاته وجها آخر من وجوه الألم وفكرة أخرى أحدثت نقلة نوعية هذا العام على ساحة الدراما الخليجية فقليلة هي الأعمال التي تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ أرض وتعيد إلى الأذهان اسماء تستحق التكريم وتذكرنا بها من جديد من خلال الشخوص والأدوار والمواقف وعلى الرغم من انتقاد البعض لفكرة المسلسل وعلى الرغم من بعض الأخطاء وعلى الرغم من كل ما قيل في هذا المسلسل إلا أنه استطاع أن يلفت الأنظار لأنه جاء من الواقع بكل مرارته وألمه وجسد واقعا عاشه أهل منطقة الخليج العربي تلك الفترة حيث أثبتت تلك الأزمة مدى تلاحم الدم الخليجي ومدى قوة أواصر الأخوة والمحبة في البيت الخليجي إضافة إلى ذلك فإن ساهر الليل أعطى أبناءنا درسا من دروس التاريخ حيث جاءت الحلقات لتشرح لهم تاريخا لن ينمسح من ذاكرة القلوب الموجوعة بالفقد والغياب لدرجة أن أبناءنا الصغار لم يستوعبوا الفكرة وكروا السؤال مع كل حلقة هل ذلك حدث فعلا؟ نعم حدث ذلك ولكن بشكل آخر ربما يختلف عما جاء في بعض لقطات المسلسل ولكنه حدث والمسلسل بفكرته جاء ليوثق شيئا مما حدث وكأنه يدق على أبواب الجرح ويدعوه للبكاء من جديد وكأنه يخرج الحزن من صمته وينفض عنه غبار الدمع ليعرضه على الجمهور نازفا من جديد قد تقولون أني أبالغ فيما أقول ولكنه شعور لا يفهمه إلا من فقد عزيزا أو غاليا في تلك الأزمة وربما لازال جالسا على الأبواب في انتظار مالا يأتي وربما قرر فجأة أن يقوم برحلة بحث جديدة لعله يلقاه من جديد بالرغم من مرور السنوات وموت الأمل أتوقف عند تعليقات الكثيرين على الأخطاء الإخراجية التي من الطبيعي أن يتعرض لها عمل كهذا يحتاج للكثير من المصادر والإمكانات خاصة وأنه يروي حكاية من الواقع ويخاطب جرحا عميقا في المشاهد الخليجي لذا فمن الطبيعي أن يكون التركيز عليه أكثر وكأنه في دائرة الضوء لو كنت مخرج هذا العمل لما ضايقتني هذه الملاحظات بقدر ماهي أسعدتني فمن خلالها اكتشفنا أن المشاهد أصبح على وعي وثقافة لا يمكن تجاهلها أبداً فالجمهور المتلقي لم يعد كما كان لأنه الآن أصبح يتابع بعين الناقد والمخرج والكاتب وحتى المشرف العام لذا لا يفوته شيء فهو واع لكل صغيرة وكبيرة ولكل لفتة ولكل كلمة ومن المهم أن يضع أي كاتب أو مخرج المتلقي نصب عينيه في كل لحظة فعمل مثل ساهر الليل يتطلب اهتماما كبيرا بنسيج الأحداث وجعل البناء الفني محفوفا بالمغامرة وبالمخاطر وبالمفاجآت ويحتاج لفضاء روائي واسع يحتضن شخوص وأبطال العمل ويتسع لأكثر من ذلك ولكن يبقى ساهر الليل وطن النهار بالرغم من كل ما ذكرت فإنه قد تجاوز قواعد اللعبة الفنية المتعارف عليها حيث فتح بفكرته آفاقا جديدة للإبداع والتحليق في الواقع قبل الخيال فأبطال العمل يستحقون الشكر والتقدير ابتداء بالكاتب والمخرج وانتهاء بالبقية فقد تجلت روح التعاون بينهم في العمل وجسدوا شعار القلب الواحد واليد الواحدة ولذلك نجح العمل بالرغم من كل ما قلته وما قيل وما سيقال