علي بن خميس المهندي.. وتوريث تاريخ الأجداد

(1) غاب عنا بالأمس أحد أركان التراث والتاريخ الاجتماعي لدولة قطر، وهو الوالد الكريم علي بن خميس آل حسن المهندي الذي فقدته قطر بعد عمر تجاوز المائة سنة، وهو من أبرز المعمرين في العصر الحديث وأحد الحافظين لموروثنا وتراثنا الشعبي بل أهم الرواة والإخباريين في مجال الشعر الشعبي (النبطي) بشكل خاص وفنون الأدب الشعبي بشكل عام. لقد تعرفت على الوالد علي بن خميس منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمان كان من خلالها: - راويا - وإخباريا - ومؤرخا - وحافظا للأشعار - وعالما في الأنساب - وقاصّا.. وغير ذلك من الفنون الأدبية في مجال الأدب الشعبي وأحداث المجتمع القطري عبر أكثر من قرنين. (2) الأمر المهم في حياة الأديب الراحل (وهو يستحق تسميته بالأديب) لأنه عاصر المئات من شعراء وأدباء قطر على مر الفترات الماضية من حياته حيث عاصرها بحلوها ومرها وبخيرها وشرها. فقد عاصر أحداث ومجريات مجتمع الغوص على اللؤلؤ المصدر الأول للرزق قبل اكتشاف النفط وتصديره للعالم الخارجي لأول مرة نهاية عام 1949م. وهذه الفترة عرفت لدى أهل قطر باسم “سنة الخير“ كما كان يطلق عليها. ثم واصل حياته العملية في الدولة من خلال معاصرته للعمل في الشركة “سنوات اكتشاف النفط“ في “مسيعيد ودخان وأم باب وزكريت“ وهي حياة مهمة من حياة القطريين التي لا تكاد تنسى أو تخفى من الذاكرة الحياتية. وكان رحمه الله يتذكرها لحظة بلحظة وساعة بساعة خاصة عندما نتحدث معه حول أيامها الجميلة وما لاقاه الناس من صعوبات وتحديات بعد تغير نمط حياتهم من حياة الغوص والتنقيب على اللؤلؤ الى حياة جديدة مختلفة كليا تتعلق بالنفط وحياة التعامل مع الآلة ودخول السيارات ورصف الشوارع والعمل بوظائف غير تلك التي تتعلق بحياة البحر والسفن. (3) لعل أهم المراحل التي عاصرها الوالد علي بن خميس قبل حياة اكتشاف النفط تعلقه بحب الأدب الشعبي وتراثنا الجميل وسرد الشعر النبطي وخاصة رواية أشعار بعض فحول الشعر في تلك الفترة من أمثال: - محمد بن عبدالوهاب الفيحاني - سعد بن علي بن مسند المهندي - عبدالله بن سعد بن علي بن مسند المهندي - سلمان بن حمد الحسن المهندي - سلطان بن فرزان السهلي - لحدان بن صباح الكبيسي.. وغيرهم كثير. وتشمل هذه الأشعار كافة الأغراض الشعرية: من غزل ومديح ورثاء وحربيات ومساجلات ونحوها. (4) تعلقه بحب فن العرضة: حيث عرف عنه اهتمامه بترديد الأشعار الحربية والحماسية التي كانت تردد في البيئة القطرية القديمة حيث حافظ على نشرها من خلال المناسبات الاجتماعية مثل: - حفلات اليوم الوطني - حفلات الزوج - الحفلات الخاصة - حفلات زيارات الأمراء والملوك لدولة قطر. ومنها أشعار العرضة لمجموعة من الشعراء مثل عبدالله بن سعد وسلمان بن حمد وسعد الشاعر، إضاقة لبعض شعراء العرضة في الجزيرة العربية. وقد صدرت السيرة الذاتية للوالد علي بن خميس ومروياته الشفهية في أكثر من كتاب. الأول صدر عن طريق المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث (ذاكرة الذخيرة) جمع (علي المناعي وعلي الفياض) والآخر أصدره ابناؤه (حصاد السنين) وهو من إعداد محمد الجوهري سنة 2019م. (5) كلمة أخيرة: رحم الله الوالد علي بن خميس الحسن المهندي الذي فقدته قطر هذه الأيام بعد رحلة عطاء طويلة في خدمة تراثنا العظيم الذي يبكيه اليوم بعد وفاته لأنه حافظ عليه وصانه من الاندثار والضياع، فكان نعم الشخصية التي كانت من رموزه والتي سنظل نفخر بها ما حيينا. [email protected]