26 أكتوبر 2025
تسجيلهناك فرق بين الأزمة ودوافعها وأسبابها فى الخليج ومصير هذه الأزمة، وبين إدارة هذه الأزمة ومدى نجاح كل طرف فى هذه الإدارة. فلاشك أن إدارة قطر للأزمة اعتمد على خمس من الأدوات الدبلوماسية بالمعنى الأوسع ذلك أن للدبلوماسية معنى ضيقا وهو البعثات الدبلوماسية ومعنى سياسيا وهو السياسة الخارجية ومعنى ثالثا أوسع وهو كافة أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية. وعلى الجانب الآخر، اعتمدت الدول الأربع المقاطعة وهى السعودية ومعها حلفاؤها أدوات أخرى، كل طرف أراد أن يفشل خطة الطرف الآخر. الدبلوماسية الرباعية دبلوماسية هجومية وتهدف إلى أن إجراءات المقاطعة تحقق هدفها فى قطر وهو كسر إرادة قطر وإخضاعها لإرادة هذه الدول التى ترجمتها فى 13 مطلباً معروفاً. وبطبيعة الحال لجأت دبلوماسية الطرفين إلى أوسع نطاق دولى ممكن بخطاب معين، فالتدويل من الطرفين تم فى نفس الوقت بهدف إقناع العالم بمشروعية موقهما. بالطبع العنوان الأبرز للدبلوماسية الرباعية يحاول استجداء الشعار العام بالحرب ضد الإرهاب أملا فى دفع العالم إلى الاعتقاد بأن هذه الرباعية تحارب الإرهاب الذى ادعو دون دليل أن قطر تدعمه ولم تدرك هذه الدول جميعا ثلاثة محاذير فى هذا الطرح الأول هو أن مفهوم الإرهاب نسبى والثانى هو أن الإرهاب صار أداة فى السياسة الخارجية والثالث أن هذه الدول نفسها تحوم حولها بقوة جرائم الإرهاب والإبادة الجماعية فى اليمن وسوريا. دبلوماسية قطر اعتمدت على التحرك الدبلوماسى المباشر على مستوى الأمير ووزير الخارجية الذى التقى بكبار المسؤولين فى روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والأمم المتحدة. وفى المقابل تحركت السعودية والإمارات والبحرين إلى نفس العواصم، كل يحاول أن يقنع القوى الكبرى بصحة موقفه والرهان دائماً على قضية الإرهاب ودور قناة الجزيرة. على المستوى السياسى، أعلنت الدول المقاطعة أنها سوف تصعد إجراءاتها حتى ترضخ الدوحة للإملاءات الخليجية بينما المسؤولون بالدوحة أعلنوا عدم جدية الاتهامات وبأنها ذرائع للمساس بسيادة قطر، وأن قطر لن تفرط فى سيادتها مهما كان الثمن. وقد أعطت الدول المقاطعة والمحاصرة لقطر انطباعا بأن خنق قطر من جميع الجهات يجب أن يخضع قطر، ورفضت هذه الدول دعوة قطر إلى الحوار، وتمسكت بأن الحوار لن يبدأ إلا بعد الإذعان لإملاءات هذه الدول. ثانياً: ركزت الدبلوماسية القطرية على مخاطبة الشعوب العربية التى ترفض الإملاءات خصوصاً فيما يتعلق باتهام حماس بالإرهاب وكذلك الإخوان المسلمين خاصة بعد أن رفض وزير الخارجية الأمريكى اعتبار الإخوان منظمة إرهابية كما هو حال كافة الدول الأوروبية، وإن كانت تعتبر حماس وحزب الله لأنها منظمات للمقاومة ضد إسرائيل منظمات إرهابية، أما الإخوان المسلمون فإنهم يحاربون فى الساحات التى تساندها إسرائيل فى سوريا واليمن. ثالثا: قدرت الدول المقاطعة أن تصريح ترامب فى البداية واتهامه قطر بتمويل الإرهاب ينذر بموقف أمريكى مساند لأية إجراءات ضد قطر، وظنت هذه الدول أن إنفاق المليارات على صفقات الأسلحة الأمريكية هو ثمن الانحياز الأمريكى لها. من ناحية أخرى قدرت واشنطن أن استطالة الأزمة لايخدم المصالح الأمريكية ويضر بمجلس التعاون الذى تعتمد عليه الدبلوماسية الأمريكية فى خدمة مصالحها. وربما قدرت واشنطن أن استمرار الأزمة يخدم السياسة الإيرانية، ولكنه يخدم مصالح إسرائيل أيضاً. والراجح أن واشنطن لم تقتنع بالتناسب بين قسوة الإملاءات وبين أفعال قطر. فواشنطن هى التى خططت للأزمة وأدارتها ووضعت سقفها ومراحلها، فالأطراف جميعاً ليس لهم استقلال ولكن السعودية تريد إخضاع قطر ومصر والبحرين تريدان الانتقام من قطر. فواشنطن تدرك جيداً أن السعودية هى التى تطمح إلى زعامة العالم العربى ولامكان لطموحات قطر، كما أن للسعودية دوراً أساسياً فى صفقة القرن، ومساندة قطر لحماس يعوق جزءا من الخطة وهو إنهاء المقاومة بطرق مختلفة وتفكيك حماس وانهاك حزب الله وهما المنظمتان الإرهابيتان عند واشنطن وأوروبا مادامتا ضد إسرائيل أما الإخوان التى اتهمت قطر بدعمهم فقد أوضحت واشنطن صراحة أنها لن توافق على وصمهم بالإرهاب لأنه يتعارض مع المصالح الأمريكية، وكانت تلك صدمة للسعودية والامارات وخاصة للنظام فى مصر الذى أبلغ صراحة بذلك فى أبريل 2017 خلال زيارة السيسى لواشنطن وكان يحدوه الأمل فى وضع الإخوان على قائمة الإرهاب. وتدرك كل الأطراف مصالح واشنطن فى الأزمة.المصلحة الأولى مالية فقد حصل ترامب على مبالغ طائلة من السعودية فى صور متعددة، ومبالغ أخرى من الامارات فسارعت قطر إلى التعاقد على مبيعات أسلحة هى الأخرى. المصلحة الثانية سياسية هى اختبار قدرتها على صناعة الأزمة وإدارتها وإنهائها ومنع أطراف خارجية من التدخل فيها كما أن الأزمة فى مجملها تهدف إلى إفهام قطر بأن السعودية هى القائد، وأن صفقة القرن تقضى بوقف دعم قطر لغزة وحماس والتعاطف مع حزب الله والحذر من إيران رغم العلاقات الوثيقة بين إيران والإمارات. رابعاً: ركزت الدبلوماسية القطرية على تفكيك الخطاب المعادى المعتمد على الإرهاب وقناة الجزيرة وإيران، وكشفت عقم المطالب المعادية فى ملف الإرهاب وإيران، وقناة الجزيرة رغم تجاوب المغرب مع السعودية فى إغلاق مكتب الجزيرة واستقالة بعض قدامى المذيعات (تونسية وعراقية) لإحداث انهيار فى إدارة القناة. وكثفت قطر جهودها فى أربعة ميادين حققت فيها نجاحات كبرى: الميدان الأول هو حرية الإعلام فتجاوبت المنظمات الدولية المدافعة عن هذا الحق. الميدان الثانى: أثر العقوبات على حقوق الإنسان وانتهاكها للقانون الدولى، حتى أن المفوض السامى لحقوق الإنسان انتقد موقف الدول المقاطعة. الميدان الثالث: هو الأمم المتحدة، حتى انتقد الأمين العام مواقف الدول الأربع. الميدان الرابع هو منظمة التجارة العالمية التى تؤمن بتدفق السلع والخدمات وتناهض القيود بما فيها الجزاءات. أما سلوك الحكومة والشعب فى قطر والإعلام فقد التزم الهدوء والأدب فى الخطاب ولم يتضمن أية إساءة للدول الأخرى أو شعوبها على عكس بعض المسؤولين والإعلاميين فى الدول الأخرى الذين أساءوا إلى قطر، واكتفى الإعلام القطرى بتوثيق التقارير الدولية عن مؤامرة الإمارات لقلب نظام الحكم فى قطر والاتصالات السعودية الإسرائيلية وكذلك إتهام الامارات بالسعى الى فصل الجنوب فى اليمن وإنشاء سجون للتعذيب فى اليمن. وقد بدأت موجة الأزمة تنكسر عندما أعلن امير الكويت يوم 3/7 أنه طلب مهلة إضافية بعد نهاية مهلة العشرة أيام، لمدة 48 ساعة أخرى فى نفس الوقت الذى كان مسؤولو أجهزة المخابرات فى هذه الدول تجتمع ثم تتفق هذه الدول على عقد اجتماع فى القاهرة يوم 5/7 لتقييم الرد القطرى، ولكن ترامب ووزير خارجيته أطلع مصر على حدود التصعيد إزاء اتساع رقعة التعاطف مع قطر وإلحاح الدول الكبرى على الحوار، وهو ما انعكس على بيان القاهرة الذى اكتفى بالأسف لما أسماه الرد السلبى من جانب قطر. وهكذا قررت واشنطن وضع نهاية للأزمة التى تفجرت فجأت بسبب سوء تقدير السعودية والامارات للموقف الأمريكى فى اجتماع الرياض، بعد أن حققت واشنطن أهدافها المالية والسياسية تقديرى أن ملف الأزمة مرتبط بتأهيل المنطقة لصفقة القرن.