20 سبتمبر 2025
تسجيلإن أردت الحديث عن الدهاء السياسي أو فن إدارة الجموع والحشود في كافة الظروف ولاسيما الأزمات، فما عليك سوى أن تقرأ في سيرة أحد أعظم دهاة العرب والسياسيين بلغة عصرنا، وهو الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان، رضي الله عنه وأرضاه. صحابي جليل ومن العشرين صحابياً الذين ائتمنهم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في كتابة الوحي، وكان ذاك الائتمان مؤشراً على أمانة أولئك النفر الذين لا يتكررون. فمن يأمن إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب عنه كلام رب العالمين كما يوحى إليه دون ذرة شك فيه، فلا شك أنه قد نال ثقة غالية، وهو بذلك إلى بقية المهام الدنيوية الأخرى، إن أوكلت إليه، سيكون أميناً وفياً ومخلصاً في أدائه، وكذلك كان معاوية رضي الله عنه.مما يروى عنه في حسن إدارة الأزمات والمهمات العظيمة، أن سأله أعرابي عن سر قدرته في إدارة الدولة مدة طويلة، فقال: "إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو كان بيني وبين الناس شعرة، ما انقطعت. كانوا إذا أمدّوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها".تلك خلاصة ما نسميه اليوم بفن السياسة ودبلوماسية الحكم.. وأحسبُ أننا جميعاً بحاجة إلى تأمل هذه السياسة ليس في شؤون الحكم فحسب، بل كل مناحي الحياة. خذ على سبيل المثال إدارة المؤسسات والشركات، أو إدارة المدارس والجامعات، مروراً بالبيوت وإدارة شؤونها ووصولاً إلى العلاقات بين الأفراد، حيث الأمزجة والأهواء المتنوعة المتقلبة، التي ربما لا تحتاج إلى ديكتاتوريات بقدر حاجتها إلى من يستوعب ويتفهم معاني "فن الممكن" أو السياسة والدبلوماسية، التي تُبقي شعرة معاوية، رغم ضآلتها وضعفها، باقية لا تنقطع، إن صح وجاز لنا التعبير.