14 سبتمبر 2025

تسجيل

سعود الفيصل.. رحيل رجل نبيل

13 يوليو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); هو وبحق وزير خارجية من طراز نادر, وسيذكره التاريخ طويلا كأحد أهم أعلام الدبلوماسية في العالم خصوصا الدبلوماسية التي تسعى بصدق لترسيخ الأمن والسلم العالميين بعيدا عن الأزمات والحروب, وبعيدا عن مغامرات الساسة التي تجر العالم إلى ويلات الحروب. كقائد دبلوماسي عالمي الرجل كان مؤهلا لذلك فدراسته كانت في واحدة من أفضل الجامعات في العالم كما أنه كان محظوظا حين تعلم أكثر من ذلك من زعيم مسلم وعربي كان علما في السياسة الخارجية لعقود وهو والده الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله.درس الاقتصاد في جامعة برنستون في ولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة وبجوار مقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث كان ولا يزال رسم الأحداث العالمية وتصارع الدول لتحقيق المصالح, لهذا كان خبيرا في كيفية صناعة القرار العالمي والأمريكي.ولهذا وعلى سبيل المثال لم تخب رؤيته ذات يوم حين استغرب من رغبة الولايات المتحدة في الحكم المباشر للعراق بعد سقوط نظام صدام حسين العام 2003، حين استغرب في حينه كيف سيستطيع جنرال أمريكي أن يحكم قبائل عريقة كشمر والظفير والدليم وغيرها, وتوقع في ثنايا ذلك الفشل وهو ما حصل بالفعل حيث فشلت الولايات المتحدة عبر جنرالاتها في حكم العراق, وغادرت بعد أن حولت هذا البلد العريق إلى ساحة حرب إقليمية لا يزال الجميع يُلسع بنارها, وهي النار التي لم تكن لتندلع بالأصل لو اتبعت الولايات المتحدة ما نادت به السعودية والأمير سعود الفيصل تحديدا بنصائح بعدم التدخل المباشر في العراق وترك الأمر لتغيير من داخل نظام صدام حسين .طوال أربعة عقود كان الأمير سعود الفيصل بحق مدرسة متفردة في الدبلوماسية العالمية والعربية، فالرجل رسخ سياسة الوضوح والمباشرة في الطرح من دون تضييع الوقت في الألعاب السياسية التي كانت تسود في الدبلوماسية العالمية بسبب صراع النسر الأمريكي مع الدب الأمريكي. كما واجه بسياسة الأمر الواقع وحقائق الأرض العنتريات والمعارك اللفظية التي كانت سائدة بين الدول العربية في صراعاتها التي لا تنتهي.لم يكن في أسلوبه مهينا أو جارحا لأحد خلال زياراته المكوكية لدعم قضية معينة أو لمنع اندلاع أزمة متوقعة, لكنه كان واقعيا إلى درجة الصدمة أو الدهشة فهو يعرف متى يتكلم بود ومتى يكون واضحا في عباراته كي لا تحمل ما لا تحتمل.لهذا كانت السعودية تواجه خلال تاريخها بحملات دبلوماسية وإعلامية قاسية ومتجنية من أجل تغيير هذا النمط الواضح والمنطقي من السياسة الخارجية التي مارسها سعود الفيصل والتي لم تترك فرصة للمزايدين ليخفوا حقيقة نواياهم في المناطق الضبابية.في غزو الكويت تألق سعود الفيصل كثيرا حين تصدى لألاعيب صدام حسين ووزير خارجيته الثعلب طارق عزيز، ولا عجب فهذه المعركة الدبلوماسية التاريخية أدارها من الجانب السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله وسعود الفيصل بحنكة ومهارة جعلت من صدام حسين يندم أشد الندم على قيامه بخداع السعودية بحقيقة موقفه حين طمأن الأمير سعود الفيصل خلال زيارة الأخير لبغداد قبيل الغزو بأيام وبين له أن العراق لن يغزو الكويت.وفي تلك المرحلة كان هناك تنسيق عالي المستوى بين عميد وزراء الخارجية في العالم آنذاك الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت الحالي وبين الأمير سعود الفيصل ما جعل هذا الثنائي يقود -كل في مجاله- معركة تحرير الكويت دبلوماسيا عبر محاصرة كل الألاعيب العراقية ووأدها.من معركة دبلوماسية إلى أخرى كان الأمير سعود الفيصل ينتقل بكل مهارة وغير تنسيق عال مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي الأمر الذي جعل دول الخليج العربي تتجنب أزمات حقيقة تهدد استقرارها.ومن ذلك ما قامت به السعودية عبر الأمير سعود الفيصل والدبلوماسية السعودية من حملات عدة لتجنيب السعودية الهزات الارتدادية لزلزال الحادي عشر من سبتمبر حين شارك 15 سعوديا في هجمات نيويورك وواشنطن, وحين حاولت إسرائيل واللوبي الصهيوني في واشنطن استغلال ذلك لتحجيم السعودية وتقزيم دورها في المنطقة من أجل مرحلة جديدة من الهيمنة الإسرائيلية, وهو ما لم يتم بالطبع بسبب فطنة الأمير سعود الفيصل ومعه وزراء خارجية عديدون انتبهوا لحجم المؤامرة وتعاملوا معها بصبر وأناة وهدوء ودهاء.وفي مرحلة الربيع العربي الذي انطلق من قلوب محطمة بسبب الظلم والقهر والذي وللأسف استغل لاحقا لأهداف جاوزت طبيعته، كان للأمير سعود الفيصل دور مهم ضمن السياسة الخارجية السعودية للتصدي للتدخلات الإيرانية في المنطقة, وهي التدخلات التي أرادت منها إيران استغلال ظروف المنطقة وآلام شعوبها لتحقيق مصالحها الخاصة وأهمها تحقيق مكانة إقليمية مؤثرة لإيران تفيدها لاحقا في مفاوضات الملف النووي والذي كان آخذا في التصاعد وكان مرشحا ليكون سببا لتدخل دولي ضد إيران.في سوريا تم فضح الدور الإيراني المدمر والذي كان السبب الرئيسي في تحول المظاهرات الشعبية في سورية من مطالبات سلمية إلى حرب أهلية حين رد النظام السوري الذي يحظى برعاية إيرانية على تلك المظاهرات بسيل لم يتوقف من المذابح .وكم كان مؤثرا وصادما للعالم رفض السعودية لعضوية مجلس الأمن الدولي حين ذكر الأمير سعود الفيصل أن هذا المجلس فشل في ممارسة دوره المقرر في منع المذابح في سورية وفي وقف ما يتعرض له الشعب السوري من مآس.واستمر الأمير سعود الفيصل في مواجهة الأطماع الإيرانية التوسعية حتى وهو يعاني المرض ولا يكاد يمشي إلا بعربة خاصة يستند عليها بذراعيه, ولا يكاد حتى يستطيع الحديث, ففي ملف سورية تصدى على الفور لكلمة للرئيس الروسي فلاديمير قرأها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شفهيا خلال القمة العربية في شرم الشيخ، فعقب الأمير سعود الفيصل على كلمة بوتين فبدأ بنقل تحيات خادم الحرمين الشريفين ليبين أنه يتكلم باسم الملك وأنه يرد على المستوى نفسه الذي تحدث فيه بوتين، ثم فند الأطروحات الروسية ورد عليها ولم يترك لكلمة بوتين أي أثر في أوساط المؤتمر.هذا التدخل غير المعد له من الأمير سعود الفيصل أحبط المناورة الروسية التي كانت تهدف للتسويق للرئيس السوري بشار الأسد مرة أخرى عربيا وعالميا.على المستوى الإنساني عُرف الأمير سعود الفيصل بعفة اللسان فلم يسبق أن صدرت عنه طوال أربعين سنة من الدبلوماسية أي إساءة لشخص أو مسؤول في دولة أخرى رغم ما كانت تتعرض له السعودية وما يتعرض له شخصيا من حفلات شتائم في الإعلام العربي الثورجي . كما عرف بالتعامل الراقي مع الجميع حتى مع خصومه السياسيين ما جعله ذا شخصية تحظى بالتقدير دوما وهو أمر يصعب في ظل حدة الصراعات الدولية.واشتهر الأمير سعود الفيصل بالعبارات الطريفة ذات المغزى خلال المؤتمرات الصحفية والمؤتمرات ومن ذلك حين حاصره الصحفيون في أحد المؤتمرات في الكويت من أجل تصريح صحفي وكان ذلك في شهر رمضان فرد عليهم وهو يغادر المؤتمر بالآية القرآنية "إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا"، ( الآية 26 سورة مريم ) فاختلطت حينها صدمة الصحفيين بضحكاتهم بسبب قدرة الأمير سعود الفيصل ولباقته وطريقته في الاعتذار عن التصريح . وحصل خلال مؤتمر صحفي جمعه بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري وكان ظهوره الأول في عربه يستند عليها للمشي أن مازح الصحفيين بالقول "من يسابقني بهذه العربة.... هل من مبارز"؟والأمير سعود الفيصل اشتهر عنه في وزارة الخارجية السعودية أنه كان يزور المرضى من موظفي الوزارة بشكل شخصي ومن دون تحضيرات أو مرافقين أمنيين ومن دون نشر خبر عن الزيارة.الحديث عن الأمير سعود الفيصل لا ينتهي فللرجل مواقف ومقولات وقصص لا تنتهي سواء على مستوى العمل الدبلوماسي الذي امتهنه، أو على مستوى العمل البيئي حيث كان عضوا فعالا في هيئة الحياة الفطرية حيث ترجم خلال ذلك حبه الشديد للحياة الفطرية.رحم الله الأمير سعود الفيصل فقد ترك للأجيال المقبلة مثالا يحتذى في مجالات عدة، وستتذكر الدبلوماسية في العالم طويلا أحد أهم رموزها وفرسانها.