29 أكتوبر 2025
تسجيلأشعلت التخفيضات التي اتخذتها حكومة محلب على دعم الوقود والطاقة الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض ومترقب بعد أن فشلت في توفير بدائل للدخل، وكلها آراء واجتهادات فيها الخطأ والصواب، حول تخفيض العجز الكلي بالموازنة العامة بنحو 240 مليار جنيه، وهو ما يعادل نحو %10 من الناتج المحلي الإجمالي، في محاولة لتوجيه الدعم إلى مستحقيه ولتوفير الأموال التي تذهب للدعم وتوجيهها إلى تمويل عمليات التنمية في كل القطاعات، وفي إيجاد موارد لسد مديونية الشركات الأجنبية التي تصل إلى 4.9 مليار دولار، والخروج بمصر من الأزمة الاقتصادية الحرجة التي سيطرت عليها طوال الفترة الماضية، ولكن الحقيقة الوحيدة التي لا تحتمل الجدل هي أن خفض دعم الطاقة أشعل نار أسعار السلع والخدمات، لأن رفع الدعم عن الوقود والطاقة سيؤثر بالطبع على كافة أسعار السلع والخدمات، وسيؤدي إلى موجة تضخمية موازية، وشعور بالغضب والاستياء، في ظل ثبات المرتبات، التي لا تزيد بمعدل يتناسب مع زيادة الأسعار، وانخفاض دخل المواطن المصري الذي لا يمكنه من مواكبة هذه الزيادة، لأن الأسعار إذا ارتفعت لا يمكن أن تعود للانخفاض مرة أخرى، وسينكوي بها الجميع وإن كان سيتحملها القادرون بنسب متفاوتة، لأن ما يحدث يمثل جراحة مؤلمة وصعبة في جسد اقتصادي مترهل، قد لا يتحمل تبعات هذه الجراحة قبل أن يتعافى ولو جزئيا من أعقاب تأثير السنوات العجاف التي أثرت على قوة الاقتصاد في الثلاث سنوات السابقة، وتحتاج إلى تعاون حقيقي بين كل الأطراف، ووعي كامل بالمخاطر القائمة وأبعادها، ولذلك أشفق على أي حكومة من تحمل هذه التركة الثقيلة والمسؤولية الصعبة، خاصة في ظل عدم التمرس أو الحنكة السياسية، ومن ثم إذا اعتبرنا أن هذه الإجراءات ضرورية لإنقاذ الاقتصاد المصري، بل وحتمية، إلا أن الإشكالية في اختيار التوقيت وخاصة في أثناء شهر رمضان الذي تزيد فيه الحركة الشرائية التي تسهم في زيادة مستوى الأسعار، وفي أسلوب معالجة العجز الشديد في الموازنة العامة للدولة التي ما زالت في حالة غيبوبة وتحتاج إلى فسحة من الوقت، وإن لم تكن طويلة، لأنه لا وقت للضياع، حتى تتنفس مصر بكل مكوناتها الصعداء ويصبح جسدها قادرا على تحمل مبضع الجراح المؤلم، حتى تتمكن من العودة مسرعة للتعافي وتصحيح المسار الاقتصادي، وهذا يتطلب حتى ترسخ الحكومة أقدامها وتكسب ثقة المواطنين، ولا تحملهم أعباء إضافية، لأن التأثيرات السلبية ستلقي بظلالها بشكل مباشر على المواطن البسيط بزيادة أسعار المواصلات من %30 إلى %40، وكذلك زيادة الأسعار نتيجة ارتفاع وسائل النقل بنسبة 15%، في الوقت الذي ارتفع فيه سقف الأمنيات لدى الجميع في تخفيف الأعباء عنهم مع انتخاب الرئيس الجديد، والسعي إلى المزيد من العمل من أجل إعادة عجلة الاقتصاد وزيادة الإنتاج والتصدير، بخطط غير تقليدية وسريعة لمواجهة العجز في الموازنة العامة للدولة، بعيدا عن الفقراء ومحدودي الدخل، من خلال دور فعال لرجال الأعمال واتحاد المستثمرين والغرف التجارية، وقدرتهم على المشاركة في مشروعات صناعية وزراعية وسياحية جديدة تستوعب طاقات الشباب وتضيف للإنتاج منافذ وخطوطا جديدة وقيمة مضافة حقيقية، إلى جانب ترشيد الإنفاق الحكومي ومكافحة الفساد والتهرب الضريبي وتقليص المخصصات للبعثات الدبلوماسية، مع القدرة على المتابعة وكبح الارتفاع العشوائي لجميع الأسعار المرتبطة بالطاقة أو غير المرتبطة بها، وأيضا من الضروري تفعيل إجراءات الرقابة وضبط الأسعار وإحكام السيطرة عليها حتى لا تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءا.