13 سبتمبر 2025

تسجيل

القضاء الإسلامي وأهل الذمة

13 يوليو 2014

تحدثنا أمس عن قضاء الرسول – صلى الله عليه وسلم بين اليهود وذكرنا على ذلك مثالين وردا في سبب نزول قوله تعالى: (فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) وقلنا إن هذه الآية أثارت قضية بحثها العلماء تتمثل في القضاء الإسلامي بين أهل الذمة، على أي النصوص يتعامل، على نصوص التوراة والإنجيل، أم على القرآن؟ في كتاب أهل الملل والردة من الجامع للخلال ذِكْر لهذه المسألة فنقل عن الإمام أحمد قوله" إذا تحاكم اليهود والنصارى إلينا، أقمنا عليهم الحدود على ما يجب، فإن لم يحتكموا فليس للحاكم أن يتبع شيئا من أمورهم، ولا يدعون إلى حكمنا حتى يحكم عليهم". قَالَ الله، تعالى: فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ سورة المائدة آية 42 فإن لم يحكم فلا بأس. والنبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قد حكم لما احتكموا إليه، ولو أعرض عنهم لكان له ذلك، إلا أن النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أراد أن يقيم عليهم الحد ؛ لئلا يلبسوا على المسلمين، وأراد إحياء الرجم ؛ لأنهم قالوا: إن أمركم بالجلد فخذوا عنه، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوا. فخالفهم النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فرجم، فصار سنة، ورجم الخلفاء بعده: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضوان الله عليهم.قلت: فإذا جاء يهوديان، أو نصرانيان، أو مجوسيان يحتكمان إلينا؟ قَالَ: إن شاء الحاكم حكم، وإن شاء لم يحكم، قلت: يسعه ذلك؟ قَالَ: نعم. قلت: فإن حكم عليهما ولم يرض أحدهما؟ قَالَ: يجبره الحاكم، قَالَ الله تعالى: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ سورة المائدة آية 42, وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ سورة المائدة آية 42 وهو العدل، قَالَ الله، تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ سورة الأنبياء آية 47 قَالَ: أبو عبد الله: إذا كانوا من أهل الذمة فارتفعوا إلينا، أقمنا عليهم الحد ولا يبحث عن أمرهم، ولا يسأل عن أمرهم، إلا أن يأتوا هم على ما فعل النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قيل: يا أبا عبد الله، فعلى المواريث كيف يورثون؟ قَالَ: من جهة الحلال، يسقط من النكاح أم، وأخت، أو بنت، فلا يعرض له، ويحكم لهم بحكم الحلال، حكم الإسلام، ويورثون مواريث الإسلام وقال إبراهيم النخعي، في أهل الكتاب يتحاكمون إلى إمام المسلمين: إن شاء الإمام أعرض، وإن شاء حكم، وإن حكم بينهم حكم بما أنزل الله. والرأي السابق خلاصته أن أهل الكتاب لهم الحرية في أن يتحاكموا إلى شرائعهم أو شرائعنا، ولكن إذا جاءوا إلى قاض مسلم حكم عليهم بشرائع المسلمين. وقال الدكتور طه جابر علواني: وأعطى أهل الكتاب الحق بأن يتحاكموا إلى كتبهم وشرائعهم بقطع النظر عن وجهة نظر الإنسان المسلم في تلك الكتب والشرائع، أما فيما يتعلق بالأحوال المدينة والمالية وغيرها، فلابد من الالتزام بما يتحاكم إليه المجتمع الإسلامي ومن يعش بين المسلمين يلتزم برأي الأغلبية، وهذا موجود في بلاد الغرب والشرق فمن يعيش من المسلمين في بلادهم يحتكم إلى قوانينهم المدنية في المعاملات والنظم المختلفة (المرور- الصحة- التعليم) وما إلى ذلك مما لا دخل له في أمور العقيدة وحرية الاعتقاد والعلاقات الأسرية من الزواج وغيره بحيث لا تصطدم مع دين المجتمع الإسلامي، وكما هو مقرر فإن العقد شريعة المتعاقدين، والداخل إلى ديارنا الإسلامية يوقع مسبقًا على الالتزام بالأحكام والآداب الشرعية، وهذا شكل من إثبات السيادة للدولة، ثم إن هذا غير مستنكر لدى جميع دول العالم وشعوبه، فالدساتير في كل دولة تنص على أن القانون يطبق على كل جريمة وقعت على أرض أو سماء أو مياه الدولة دون تفريق بين جنسيات المجرمين.