14 سبتمبر 2025
تسجيلتحدثت في المقال السابق عن أن الثورة تعني الحركة مع السرعة، وأشرت إلى مجيئ لفظها في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها)، واليوم الحديث حول تناول القرآن لنماذج من الثوار، وبيان منكان على حق منهم ومن كان على ضلال. ونجد من هذه النماذج قصة ابني آدم، حيث ثار أحدهما على الآخر؛ حسدا وحقدا؛ لتكون نتيجة هذه الثورة الباطلة على قضاء الله في تقبل القربان من أحدهما ولم يتقبل من الآخر أن يقتل الثائر الباطل الأخ الصالح فأصبح من النادمين، يقول تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) المائدة: (27-31). ويلاحظ في الآيات السابقة أنها لم تذكر المكان والزمان وأسماء الشخصيات التي وقعت فيها القصة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى، وبأخذ الدروس والعبر، وهذا ما يؤكده الشيخ سيد قطب رحمه الله في قوله: "ولا يحدد السياق القرآني لا زمان ولا مكان ولا أسماء القصة . . وعلى الرغم من ورود بعض الآثار والروايات عن: « قابيل وهابيل » وأنهما هما ابنا آدم في هذه القصة؛ وورود تفصيلات عن القضية بينهما ، والنزاع على أختين لهما . . فإننا نؤثر أن نستبقي القصة - كما وردت - مجملة بدون تحديد . لأن هذه الروايات كلها موضع شك في أنها مأخوذة عن أهل الكتاب - والقصة واردة في العهد القديم محددة فيها الأسماء والزمان والمكان على النحو الذي تذكره هذه الروايات - والحديث الوحيد الصحيح الوارد عن هذا النبأ لم يرد فيه تفصيل، هو من رواية ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه كان أول من سن القتل»". في ظلال القرآن 2/349. فهذا النموذج ثورة بسبب الحسد، وهناك ثورة أخرى بسبب الحسد جاء بها القرآن، تلك هي ثورة إخوة يوسف على أبيهم الذي كان يؤثر يوسف بمكانة وحب كان سببا لأن يعبر الإخوة في ثورتهم ذلك التعبير القاسي: (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) يوسف: 8. وأفضت هذه الثورة الباطلة إلى محاولة تكرار النتيجة السابقة من محاولة قتل يوسف عليه السلام، أو التدبير له في أذى يبعده عن أبيهم (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ * قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) يوسف: 9-10 وأفضت هذه الثورة الباطلة إلى ندم الثائر الضال على فعلته، وهذا ما حدث إخوة يوسف عندما اكتشفوا أن يوسف لا يزال حيا، وأن الله قد أحسن به إذا أخرجه من السجن وجاء بهم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بينه وبين إخوتهالذين قالوا: (إنا كنا خاطئين). طالبين من أبيهم العفو عنهم بعد أن تذببوا له في حرمان من يوسف أدى إلى بكاء فقد بصره بسبب الحزن على ولده يوسف. هذان نموذجان من ثوار الضلال ساقهما القرآن الكريم، أما الثائرون الحق في القرآن فلهم نماذج أخرى نختار بعضها غدا إن شاء الله.