15 سبتمبر 2025

تسجيل

أبعد من تفجير الضاحية في بيروت

13 يوليو 2013

إذا ما استعرضنا تاريخ التفجيرات التي طالت لبنان منذ السبعينيات والى اليوم ، نجد أن أغلب المرتكبين لها ظلوا مجهولين ، ولم تفض التحقيقات حولها الى نتائج واضحة وصريحة. كما لم تقدم الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية المتعددة رؤية واضحة حول عشرات التفجيرات التي طالت لبنان بمرافقه العامة أو استهدفت شخصيات دينية وسياسية وأمنية بارزة ، باستثناء اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي ، حيث أدان القضاء اللبناني في حينه رئيس حزب القوات اللبنانية سيمر جعجع. ومن أبرز تلك التفجيرات وأخطرها استهداف رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005 . وتماشيا مع ما سبق ، فليس من السهل معرفة من يقف وراء الإنفجار الذي وقع في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الثلاثاء الفائت ، وهي منطقة تمثل معقلا لحزب الله وحاضنته الشعبية . ووقوع التفجير بذاته يؤكد نجاح الفاعل في تحقيق اختراق امني لأمن حزب الله وان كان محدوداً إذ سبق لأمن الحزب أن فكّك عدداً من العبوات الناسفة في مناطق مختلفة من الضاحية الجنوبية في الفترة الماضية . والتفجير جاء في وقت يعاني فيه البلد أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية . وقد بلغ الخوف مداه مع تمدد الفراغ الى باقي مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية والدستورية بعد التمديد لمجلس النواب ، وعجز الرئيس تمّام سلام من اخراج تشكيلة حكومية تقدر بالحدّ الأدنى من القيام بالمهمات الاساسية المطلوبة منها ، فضلاً عن ملف التمديد لقائد الجيش الذي خاض قبل أيام مواجهات دامية مع الشيخ احمد الأسير المناهض الشرس لحزب الله ، وقد اسفرت المواجهات بين الأسير والجيش اللبناني الى مقتل ما يقرب من عشرين جندياً من الجيش فضلاً عن العشرات في صفوف مؤيدي الأسير ، تاركة وراءها غضبا شديدا لدى شرائح واسعة في الطائفة السنية التي اشتمت رائحة تآمر تعرض لها الشيخ الأسير لتوريطه في معركة مع الجيش . وقد بلغ الحنق مداه مع دعوات التظاهر ، وقطع الطرقات ، ومطالبة الجيش بإجراء تحقيق شفاف ومستقل يظهر حقيقة ما جرى في صيدا . في هذا الجو المشحون ، قامت القوى السياسية القريبة من حزب الله بالخروج من دائرة اتهام الخصوم السياسيين الى توجيه أصابع الإتهام الى "العدو الصهيوني" ، وهي اشارة ايجابية توحي بمدى المسؤولية التي بدأت تشعر بها القيادات السياسية القلقة من صبّ الزيت على النار في الإحتقان المذهبي والطائفي الذي بلغته البلاد. كما ان سرعة الإدانات الداخلية والخارجية كانت لافتة، حيث لم تقتصر الادانة على القوى السياسية الداخلية ، وجاء بعضها من الاتحاد الاوروبي وواشنطن وصولاً الى مجلس الامن الدولي ، وهي لفتة مهمة في سياق تطورات الاحداث التي يعيشها لبنان . الائتلاف السوري المعارض هو بدوره أدان وبأشد العبارات التفجير ، في الوقت الذي كانت أصابع الإتهام من قبل جمهور الحزب تتجه للمعارضة السورية ومن يتعاطف معها في الداخل اللبناني . بعيد التفجير ، كثرت الدعوات الى تسريع تشكيل الحكومة ، والعمل على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية وتحديدا في سوريا ، اذ يدرك الجميع ، من هو متورط في سوريا أو غير متورط ، إن الحاجة الداخلية تقتضي ضرورة التفاهم لأن الخسارة لم تعد لفصيل دون آخر ، وانما قد تكون من نصيب البلد برمته . والمؤكد اليوم أن لبنان لم يعد بإمكانه الإستمرار فيما هو عليه بانتظار ما ستؤول اليه الأمور في سوريا ، اذ جميع المؤشرات تقول أن الازمة في سوريا طويلة ، وقد تصل لعشر سنوات أو أكثر على حد قول قائد الجيش الأمريكي مارتن ديمبسي .. في ظل هذا الوضع، لا يقدر لبنان أن يبقى رهن الانتظار، وجسده يعاني التلاشي والتفكك في غرفة العناية المركزة . البلاد تحتاج إلى إعادة تقييم للسياسات التي انتهجتها القوى بغية الحفاظ على ما تبقى من الدولة بعد أن تعذر على اللبنانيين العبور نحو دولة قوية متماسكة ومنسجمة مع محيطها العربي .