18 سبتمبر 2025
تسجيللم يصعد نظام عسكري أو ثوري عربي إلا ويرفع شعار الديمقراطية وغيرها، ففي الستينيات قدموا لنا الاشتراكية والثورة وطبقة الكادحين وغير ذلك، فقال يمني عن الكادحين: الكادح كدحوه والواقف بطحوه. فالشعارات الديمقراطية والثورة جاءت بالفقر والسجون وخراب الاقتصاد والديون في مصر والعراق وسوريا والجزائر وليبيا وغيرها، وتغيرت هذه المنطقة والدول من الشرق إلى الغرب، ورفعت قوى من نفس الفصائل الحرية والديمقراطية فجاءت بالفساد والقمع والمحسوبيات وتزوير الانتخابات وتسلط الأحزاب، وتبين أن الحزبية هي الكذبة الكبرى عند العرب إذ إن هذه الأحزاب تاريخها أسود ولم تقدم للأمة سوى الكوارث والنكبات لسبب واحد وهو أن آلية التفكير والعقلية لا تختلف مع تغير الأوضاع لأن المنهج واحد مهما اختلفت الشعارات، أطعموا الجائع شعارات، ودمرت البنية التحتية وتخلفت الصحة والتعليم إلى أدنى مستواها. واليوم وبعد الربيع ماذا حصل؟ أين الجديد فلنبدأ بالعراق وخروج صدام وجاء ديكتاتور أسوأ من صدام طائفي مع احتلالين وليس واحد وأصبحت العراق حسب تقارير الأمم المتحدة أكبر كارثة إنسانية وشبح الموت لا يغادرها، وسوريا لا تحتاج لشرح اللاجئين ونهاية البلاد ودمارها، ولم يفكر حكامها بالاستقالة إنقاذا لشعبهم وإنما يعاقبون شعباً وينفذون أجندة للعدو، وهذه مصر ثارت على حسني مبارك وجاء الإسلاميون ليحكموا بنظام مبارك ولم يفكروا بعقلية الدولة بل بعقلية الحزب والتعصب ولم يعلموا أنهم استخدموا كممر وكوبري ليعبر عليه آخرون. قالوا لهم خذوا أجرتكم وسلمونا السلطة ورفضوا الحوار وأصابهم العناد وتجاوزوا الشورى والمشاورة والحكمة؛ إنهم لا خبرة لهم ولا دولة لهم، فأسقطهم الحكام الحقيقيون بدقائق وبطريقة مهينة ولم يستفيدوا من الدرس بل خرج الدكتور ربيع يهاجم شيخ الأزهر والبابا ليزيد العداء على نفسه ولم يتركوا لهم صديقاً لا داخل ولا خارج وراهنوا على الغرب الذي يريد ديمقراطية مفصلة للشرق الأوسط مثل ديمقراطية مشرف وكرزاي والمالكي، فهم عند مصالحهم لا يعرفون أي شيء لأنهم ليسوا جمعية خيرية وإنما هم براجماتيون فلا عتاب عليهم، وإنما العتاب على من ينخدع بذلك، وكان المطلوب استقالة هؤلاء وإعطاء المجال لأهل الكفاءة، والمظاهرات لن تغير أي شيء لأن متظاهري التحرير هم الدولة نفسها التي راهنوا عليها وكأنهم نسوا أن هذه الدولة لهم تاريخ مليء بالمرارة والحرب معها فعاشوا الخيال والشعارات. وفي اليمن للأسف ازداد الحوثي توسعاً والحراك والبلاد مقدمة على الخطر من فئات عدة لعدم وجود أجندة متفق عليها لسيادة الدولة فلا يمكن إقامة دولة بلا امن واستقرار، والطاقم للنظام السابق مازال يدير البلاد والصورة غير واضحة ولا يوجد تحديد للمشكلة والتوافق عليها. هناك مخاطر خارجية لإيران دون التفكير حتى في تحديد موقف معها والديمقراطية محصورة في فئات لا تريد الشورى ولا الاستشارة والسلاح والمظاهرات هي الحكم. وليبيا تنفس الناس الصعداء بذهاب القذافي ولكن مازالت العصابات المسلحة وجماعات الإرهاب تهدد الدولة والخلاف بين المعارضة ولا يوجد قاسم مشترك بين الأطراف لحماية البلاد والانتقال للمرحلة القادمة. ماذا يريد هؤلاء جميعاً، الأنظمة السابقة مازالت تتحرك وتدفع الأموال وتحرك عناصرها للتخريب والأحزاب الليبرالية التي هي صورة ديكتاتورية بشعة جدا، والاحزاب الإسلامية منغلقة وغير قابلة للواقعية ولا تجربة لها، وفيها من يشارك الليبراليين في عشق الكراسي وحبها. الواقع أن هناك ثقافة الدكتاتورية والتعصب والذاتية وعبادة وتقديس الذات وعدم القبول بالآخر عند الجميع، وعدم القناعة بالتغيير، بلا شك لا يريد ديمقراطية راقية وإنما يريدها تكون دكتاتورية مغلفة بورق ملون مكتوب عليه ديمقراطية، ويريد أن تكون إسرائيل هي النموذج الأفضل لأن الإسرائيليين لا يقومون بانقلابات عسكرية، ولأن قادة اسرائيل من دول مختلفة يعملون لإسرائيل وليس عندهم تفريق انتماء، فلا نعرف عن بيريز ولا ليفني ولا باراك عن أصولهم، اما عندنا فهناك شمال وجنوب وقبائل وطوائف وعودة لصراعات داحس والغبراء وحرب البسوس بأسلوب عصري وعبر شبكات التواصل والقنوات. وللأسف هناك حقد كبير ظهر على الساحات والاحزاب ينم على كراهية وعشق للمال والسلطة وتصعب من الجميع، فالليبراليين واليسار تعصبوا بحجة محاربة الجماعات الإسلامية ولكن يخفون عداءهم للإسلام في ذات في الوقت الذي نرى الغرب يبدي ظاهرا مجاملة، اما هؤلاء فيريدون مسح الهوية الاسلامية ويساعدهم الجماعات المتطرفة التي لا علاقة لها بالإسلام، إلا الشكل وهم لا علم لهم واخذوا الدين من الكتب وهم رد فعل لليبراليين واليسار. وللاسف لا توجد قيادات علمية وشرعية وفكرية، وهناك اضطراب فكري وسوق شعارات وتهريج ومعلومات مضللة إلا من رحم الله، والواجب على العقلاء أن يدرسوا المشاكل من جذورها ودراستها واسبابها ومعالجتها وإنقاذ الأمة من الخطر، لأن الذي يدفع الثمن هم الأبرياء والنساء والاطفال والشيوخ، وإنقاذ البلاد العربية من الوقوع في هذه المتاهات. واقترح ان يعقد لقاء علمي ومؤتمرات متخصصة مهمتها دراسة الواقع وأسبابه والعوامل المؤثرة والمخارج والحلول، لأن الدراسات مهمة لمعرفة قضايا الفقر والتنمية والبطالة، وقضايا مفهوم الديمقراطية وهل هي تصلح لبلداننا ومنهج الحكم في الإسلام؟ والعلاقة مع الغرب والمؤسسات الغربية والقضايا الداخلية والتوافق والهوية والآثار السلوكية في التعامل والتحصين من الغزو الفكري، ووحدة الصف والمشاركة والاستفادة من تجارب الماضي وتقييمها بمنظور تحليلي من متخصصين لأن ما يجري الآن هو استنساخ لما جرى سابقا بلافتة وعنوان، فالمحل هو المحل والدكانة هي الدكانة والذي يتغير هو اللوحة.