11 سبتمبر 2025
تسجيلحراك سياسي واجتماعي كبير جدا شهدته المنطقة العربية خلال السنوات الماضية كان بطله الرئيسي وما زال الحشود ( (crowdsوالجماهير(masses). أما عن أسبابه فكثر الكلام عن الإعلام الجديد ودوره في نشر الأخبار والمعلومات وتجنيد مئات الآلاف من الشباب للمطالبة بالتغيير ومنهم من رأى أن الأمور وصلت إلى درجة كبيرة من الظلم والاستبداد الأمر الذي جعل الأحداث تتطور بسرعة وتؤدي إلى ما آلت إليه. الأكيد أن الفضاء الإعلامي العربي تغير تغيرا كبيرا بسبب الإعلام الجديد والقنوات الجديدة والعديدة و المتنوعة التي وفرتها التكنولوجية الجديدة للشعب العربي. الفضاء العام العربي كذلك شهد نموا لا مثيل له حيث أصبحت قضايا الأمة تناقش بكل حرية وديمقراطية وصراحة وجرأة وشفافية على الشبكات الاجتماعية. أمر آخر أكيد وهو أن المجتمع المدني في عديد الدول العربية فاق من سباته العميق وأصبح يتحرك ويتفاعل مع المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها عديد عواصم الدول العربية. النتيجة في أخر المطاف أن المنطقة العربية دخلت عصرا جديدا أصبحت فيه للشعب سلطة وأصبحت فيه للشعب كلمة يقول رأيه من خلالها وأصبحت المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات أقوى من الجيوش المدججة بالأسلحة وبالدبابات وغيرها. قبل سنوات لم يتصور أحد أن مظاهرات واحتجاجات ومسيرات بإمكانها أن تطيح برئيس وتجبر الآخر على الفرار والثالث على الموت بطريقة دراماتيكية. وهنا يتساءل المرء عن ما هي الأسباب ولماذا لم تحدث هذه الثورات من قبل؟ ولماذا فشلت عديد الحركات والمحاولات التي كانت تهدف إلى تغيير الوضع والتخلص من الاستبداد والبطش والظلم والطغيان. بطبيعة الحال الإجابة ليست بسيطة و لا يمكننا إرجاع ما حدث إلى عامل واحد أو سبب واحد وإنما هناك عدة متغيرات تداخلت وتشعبت وساهمت في حدوث ما حدث. وفي هذا المقام نركز على ظاهرة جد مهمة وهي دور الإعلام الجديد وخاصة الشبكات الاجتماعية في توعية الشباب وتجنيده وإعطائه الفرصة ليكون ويصبح فاعلا في الفضاء العام وفي المجتمع المدني للمطالبة بالتغيير والإصرار عليه حتى يتحقق في أرض الواقع. ساهم الإعلام الجديد في تحريك المياه الراكدة في العديد من الدول العربية وأفرز احتجاجات ومسيرات ومظاهرات لا زالت تزعزع وتهز العالم العربي حتى الوقت الحاضر.تسونامي الاحتجاجات أطاح بأنظمة مستبدة وسلطوية في تونس ومصر وليبيا. جمهورية الفيسبوك كشفت عقم الأنظمة الإعلامية العربية التي تفننت خلال ما يزيد عن نصف قرن في "شرعنة" الوضع الراهن وفي التملق والتسبيح والمدح في الرئيس والقائد والنظام القائم. فالإعلام الجديد أعطى الفرصة للمواطن العربي أن يكون فاعلا في العملية الاتصالية وأن يستقبل ويرسل ويدلي برأيه ويقدم مادة خبرية وإعلامية قد تتجنبها أو تغيب عن القنوات الإعلامية الرسمية وغيرها من وسائل الإعلام التقليدي. ثورة الفيسبوك قضت على نظرية حارس البوابة وقضت على الرقابة والتوجيه المنهجي للخبر والمعلومة. فالمنطقة العربية عرفت بذور الثورة الإعلامية بظهور قناة الجزيرة في أواخر القرن الماضي سنة 1996 وتبنيها نمطا جديدا في التعامل مع الأخبار والأحداث.وبانتشار الفضائيات- أكثر من 1400 فضائية عربية- أنتقل المواطن العربي من أحادية الرؤية والمنطق والاستقبال إلى التعددية وكذلك الاختلاف في الطرح وفي الرؤى وفي المقاربات وفي التحليل والتعليق. ومهما ما يقال من سلبيات عن الفضائيات العربية إلا أن هناك إيجابيات جعلت من المواطن العربي فردا آخر في مجتمع أصبحت مصادر معلوماته متعددة ومختلفة وغير محتكرة. من جهة أخرى استفاد المواطن العربي كغيره من شعوب العالم بظاهرة الشبكة العنكبوتية التي انتشرت بسرعة فائقة تفوقت على مختلف المعدلات في العالم. والكلام على الانترنيت يعني الانفتاح على العلم والمعرفة ومختلف التجارب والانجازات في مختلف المجالات وفي جميع أنحاء العالم. ففي ظل التطورات السريعة والجذرية وفي ظل ما تشهده المنطقة العربية من تغيرات تحوّل الشباب العربي إلى ملاحظ ومراقب ومشارك في تحديد مصيره ومستقبله والعمل على المشاركة في العملية السياسية وفي صناعة القرار. الشباب العربي من المحيط إلى الخليج حوّل الشبكات الاجتماعية إلى شبكات إخبارية استطاعت أن تتفوق على أقوى وأشهر الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى، بل أكثر من هذا أصبحت العديد من وسائل الإعلام تعتمد على جمهورية الفيسبوك في الحصول على المعلومات والأخبار والصور. فالشبكات الاجتماعية أصبحت تتفاعل مع المواطن العربي بطريقة فعالة وإيجابية بحيث أنها نجحت في تقديم همومه ومشاكله ومطالبه بكل صدق وواقعية حيث أن الشباب نفسه هو الذي يزود هذه الشبكات بالمعلومات والأخبار والصور والفيديوهات. فالإعلام التقليدي فشل فشلا كبيرا في تقديم خلفيات وحيثيات ومجريات ما كان يحدث في الشارع العربي. فالإعلام الرسمي وغير الرسمي والموالي للسلطة بقي يمارس طقوس التسبيح والتملق رغم أن المعطيات تغيرت تماما والكلمة أصبحت للشارع والسلطة للشعب. صنعت جمهورية الفيسبوك جيلا جديدا من الإعلاميين، هذا الجيل لم يدرس الإعلام ولم يمارس الصحافة في قاعات التحرير، بل أصبح يمارس نوعا جديدا من الإعلام، حيث تحول نموذج واحد إلى العديد (one to many) إلى من العديد إلى العديد (many to many). فالشباب العربي أصبح من خلال الفيسبوك وغيرها من وسائل الشبكات الاجتماعية يمارس ما يسمى بصحافة المواطن citizen journalism وهي الصحافة التي يشارك في صناعتها وإصدارها المواطن للمواطن. فمفهوم الممارسة الإعلامية تغير كليا من ممارسة للتلميع والتسبيح إلى ممارسة للتغيير وتقديم مطالب الفئات العريضة من المجتمع إلى صاحب القرار.فالمعطيات تغيرت كما أن طرق ووسائل الحصول على الخبر تغيرت. أما وظائف الخبر حسب جمهورية الفيسبوك فهي موجهة مائة بالمائة إلى المواطن تطرح همومه ومشاكله للنقاش والحوار والتداول. المتأمل والملاحظ لسنة 2011 يستنتج بدون أدنى جهد أنها سنة الشبكات الاجتماعية بامتياز حيث أصبح الإعلام الاجتماعي لاعبا فاعلا وأساسيا في حياة الشعوب. فشبكات التواصل الاجتماعي غيرت آليات وميكانيزمات الاتصال والإعلام والتفاعل مع القضايا المصيرية في المجتمع. أصبحت هناك وسائل جديدة لتقديم الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات وكل ما من شأنه أن يقدم الحقيقة للمجتمع. هذه البيئة الجديدة والفضاء الجديد حرر المجتمع من سيطرة السلطة على صناعة الكلمة والصورة والرأي العام. وكنتيجة لكل هذا تحررت المبادرات وتحررت الشعوب لتصنع الحقيقة بنفسها وإلى الوصول إلى الحقيقة بكبسة زر. فالحراك السياسي والاجتماعي الذي شهدته المنطقة العربية في سنة 2011 لم تشهده خلال عقود من الزمن ومنذ استقلالها وهيمنة السلطة على الكلمة والصورة. بمجيء الإعلام الجديد تغيرت المعطيات وأُتيحت الفرصة للشباب لتحقيق ما عجزت عنه المعارضة والأحزاب السياسية وغيرها من الكيانات التي لم تنجح في كسر القيود والوصول إلى تجنيد الجماهير وتشكيل الرأي العام المستنير والفاعل والذي من شأنه أن يقرر مصير الشعب ويحقق طموحاته ومطالبه. وبعد ما حدث نتساءل الآن هل يستطيع الإعلام الجديد من خلال الشباب مواصلة المسيرة والانتقال من مرحلة الإطاحة بالأنظمة المستبدة إلى مرحلة البناء والتشييد والوصول إلى الديمقراطية و العدالة الاجتماعية والرفاهية؟ إلى حد الساعة ما زالت ظروف الفقراء والمهمشين على حالها وما زال الاقتصاد في دول الربيع العربي يعاني من مشاكل عويصة. ما أدى في حالة مصر إلى نفاد صبر الذين أطاحوا بنظام مبارك.