19 سبتمبر 2025
تسجيلفرحنا جدا ونحن نسمع مناقشات النواب للبيان الوزاري وبالتالي إعطاء الحكومة الجديدة الثقة أو حجبها عنها. لم نفرح بسبب مستوى الخطاب أو محتواه، وإنما بسبب شعورنا بأن الديمقراطية البرلمانية عادت فذكرتنا بأيام السبعينيات وما قبل حيث كانت قوة المعارضة توازي قوة الموالاة وبالتالي تنتقل السلطة دوريا من فريق إلى آخر. نأمل أننا انتهينا من بدعة حكومات الوحدة الوطنية أو ما شابه والتي تضرب أسس النظام الديمقراطي البرلماني المرتكز على فصل السلطات وبالتالي مبدأ المحاسبة، خاصة محاسبة السلطة التنفيذية من قبل التشريعية. إذا فشلت هذه الحكومة في أدائها ووعودها المرتكزة على العمل والإصلاح والتغيير، فسيحجب المواطن ثقته عن أركانها في الانتخابات النيابية القادمة وتعود معارضة اليوم إلى الحكم. أما العكس، أي أن نجاحها سيعطيها أكثرية كبيرة تسمح لها بالحكم بسهولة لسنوات قادمة. فالمواطن اللبناني وإن لم يحاسب سابقا، يشعر اليوم بأن الفرص ضاقت أمامه وبالتالي سيكون قاسيا في محاسبته بعد الوعود التي أعطيت له على مدى السنوات السابقة. فالبيان الوزاري، أي بيان، لا يمكن أن يكون كاملا إلا أن بيان هذه الحكومة كان تحديدا ناقصا من نواح عدة أهمها شؤون البطالة والعمال والمنافسة وجودة السلع والخدمات والإنفاق على البحث والتطوير. لم يتناول البيان موضوع دخول لبنان إلى منظمة التجارة العالمية، إذ يتطلب قبولنا تعديل أو إلغاء قوانين قديمة مبنية على الاحتكار والجشع وإهمال حقوق المستهلك. اقتصاد اليوم يرتكز على قوة المستهلك خاصة أن الاستهلاك في لبنان يشكل حوالي %80 من الاقتصاد. لم يحتو البيان الوزاري على أفكار جديدة بالنسبة لتطور القطاعين الزراعي والصناعي وأتى خاليا من أي تواريخ بحيث تصعب المحاسبة من قبل النواب أو الشعب أو المعارضة تحديدا. فالبيانات الوزارية الجدية تحتوي على أولويات عشرة يتم تفصيلها ووضع الإمكانات المادية والبشرية لتحقيقها ضمن مهل زمنية محددة، وهي جميعها غائبة في هذا البيان الوزاري. فالكهرباء العاجزة موضوعة مثلا في البند 29 رغم أنها قضية القضايا ولا يمكن تعزيز الاستهلاك والإنتاج والنمو والتنمية من دون كهرباء. المطلوب من الحكومة الاهتمام بمصالح المواطن المباشرة وليس فقط بالقضايا السياسية الأساسية رغم أهميتها. فالديمقراطية أساس النمو، والدراسات العلمية الاقتصادية المؤكدة لهذه العلاقة الفاضلة عديدة. لكن الديمقراطية وحدها لا تكفي لإحداث نمو قوي نوعي ومتواصل. هنالك 3 اتجاهات تصف اقتصاد اليوم وهي أولا الارتكاز على المعرفة في الإنتاج وتوزعه بين الدول بحيث تعتمد السلعة النهائية على مكونات مصنوعة في أماكن أو دول عدة. ثانيا يرتفع التبادل التجاري كثيرا فيما بين دول الجنوب وبالتالي لم تعد التجارة الدولية محصورة فقط بما بين دول الشمال أو بينها وبين دول الجنوب. يرتكز الاقتصاد الدولي اليوم على قوة الدول النامية خاصة الناشئة أي تحديدا الصين والهند والبرازيل وروسيا. في سنة 2009 وخلال الأزمة العالمية وبينما كان الاقتصاد الغربي يعاني من الركود والبطالة، كانت دول شرق آسيا تنمو بمعدل 7% وجنوب آسيا بمعدل 5.7% ودول المنطقة العربية بمعدل 2.9%. ثالثا، يرتكز اقتصاد اليوم على التطور التكنولوجي في المعلومات والمعلوماتية والاتصالات والعلوم بحيث لم تعد الخدمات العادية كافية ولا يمكن لأي اقتصاد حديث أن يبنى عليها وحدها. تضع الاتجاهات الثلاثة ركائز لاقتصادات حديثة مبنية على التكنولوجيا اقتباسا وتطويرا كما على التجدد والخلق والإبداع في كل القطاعات. في عدد براءات الاختراع نسبة لعدد الباحثين، تأتي الولايات المتحدة في الطليعة ثم اليابان وكوريا وهولندا وألمانيا. تنفق هذه الدول كثيرا على البحث والتطوير والاختبارات التي تشكل ركيزة الاقتصاد الحديث الذي نطمح إليه في لبنان وفي الدول العربية. لابد من القول هنا إن إسرائيل تجذب الاختراعات بفضل سهولة التمويل وتشجيع الدولة وهي الثانية دوليا بعد الولايات المتحدة في عدد الشركات الجديدة. بسبب الأزمة العالمية انخفضت الاستثمارات المباشرة في الاقتصاد الإسرائيلي من 11 مليار دولار في سنة 2008 إلى 4 مليارات في سنة 2009 ومن المتوقع أن ترتفع مجددا. ما هي الأسباب الأساسية لارتفاع قوة الدول الناشئة والتي يمكن اقتباس بعض دروسها للبنان؟ هنالك 4 حقائق نوجزها كما يلي: أولا: تحسن المناخ الاقتصادي العام من نواحي المالية العامة والاحتياطي النقدي كما من نواحي التضخم والبطالة والنمو. إذا تميزنا في لبنان باحتياطي نقدي كبير يوازي من دون الذهب الناتج المحلي الإجمالي، لا يمكننا أن نقبل بأوضاع المالية العامة التي تحتاج إلى ضبط في الإنفاق وإلى دراسة قواعدها وأصولها. لا يمكن أن نقبل بواقعي التضخم والبطالة اللذين يؤشران إلى أوضاع اقتصادية قادمة صعبة. أما النمو لسنة 2011، فتقوم كل المؤسسات بتخفيضه من أسبوع إلى آخر بسبب الأوضاع الداخلية والخارجية. ما زالت دولرة الاقتصاد اللبناني كبيرة في الودائع المصرفية والقروض والتبادلين التجاري والمالي، ولا بد من إعادة الدور لليرة بحيث يفرض التعامل بها على الأقل في الاستهلاك الداخلي العادي. التبادل بالليرة هو ليس فقط موضوعا ماليا ونقديا، لكنه سيادي بالدرجة الأولى ولا بد من معالجته على هذا الأساس. فالخروج من الدولرة صعب ويأخذ وقتا طويلا كما تدل عليه تجارب بوليفيا والباراغواي والبيرو واليوروغواي. يجب أن يقتنع الرأي العام بفوائد العودة إلى الليرة وأن تبنى الثقة مجددا في المؤسسات العامة والنقد ولا يمكن النجاح في هذا الانتقال إذا بقي المواطن قلقا على المستقبل. ثانيا: تطوير أسواق العمل بتقنياتها وقوانينها ومؤسساتها بحيث يتم ربط طالب العمل بالعارض مما يسهل وصول الطرفين إلى أهدافهما. لا يكفي أن تقوم الشركات الخاصة بهذا العمل بل يجب على الدولة أن تساعد عبر وزارة العمل والمؤسسات التابعة لها. لا بد من تحسين أوضاع العمال عبر رفع الأجور دوريا تبعا لغلاء المعيشة ضمن إمكانات الشركات الحقيقية، وذلك تحسينا لمستوى المعيشة ورفعا لإنتاجية العامل. عندما تصله حقوقه يعمل الإنسان بإنتاجية أعلى، وهذه هي حال كل عمال العالم وعلى جميع المستويات. إن غياب أي غطاء اجتماعي بالنسبة للعاطلين عن العمل مقلق للبنانيين. نحتاج إلى أنظمة متخصصة بما فيها ضمان الشيخوخة الذي يجري الكلام عنه منذ سنوات دون نتيجة. ثالثا: رفع مستوى المؤشرات الإنسانية المبنية على التعليم والصحة والغذاء ومحاربة الفقر الذي أصبح داء عالميا نعاني منه في لبنان كما في بقية الدول العربية. هنالك دور كبير للمرأة في رفع مستوى هذه المؤشرات إذ تنبع أصلا من المنزل قبل المدرسة والجامعة. لا شك أن الدور الاقتصادي الذي تلعبه المرأة اللبنانية كما العربية ما زال دون مستوى إمكانات وقدرات نصف المجتمع على أقل تقدير. لا شك أن لبنان تقدم كثيرا في هذه المؤشرات، إلا أن الطريق ما زالت طويلة حتى نصل إلى المستويات الغربية وحتى المجتمعات الناشئة. لقد أهدرنا الكثير من الوقت على المواضيع السياسية، ولا بد من العودة إلى الاهتمام بالشؤون الإنسانية والاجتماعية. رابعا: تطوير القطاعات الاقتصادية الأساسية التي أهملت في العديد من الدول النامية والناشئة وفي مقدمتها الزراعة ثم الصناعة. لا يمكن تطوير الزراعة من دون تأمين المدرسة والمستشفى والكهرباء والطرق والمياه إلى المناطق. لا يمكن تعزيز الزراعة من دون الإرشاد والتأمين والتمويل بحيث ترتفع الإنتاجية وتتحسن نوعية السلع. لم تتطور أي زراعة في العالم من دون مشاركة المرأة الريفية في الإنتاج والتسويق وهنالك برامج متخصصة لا بد من تطويرها وتعميمها. إهمال الزراعة أدى إلى نزوح آلاف اللبنانيين إلى المدن، مما سبب ضغطا هائلا على الخدمات أضرت بالجميع ولا بد من الاهتمام مجددا بالتنمية البيئية والريفية.