14 سبتمبر 2025

تسجيل

هوامش على كورنيش الدوحة

13 يونيو 2023

من أربعين سنة أو تزيد منذ أدركت أن الله لا يمكن أن يوضع بين أربعة جدران وأن الأرض شاسعة ببشرها وحجرها بقيضها وهجيرها وحتى بتلك التي تموت من البرد حيتانها على قول الروائي العظيم الطيب صالح أسرجت بعيري وأمسكت بعصا الترحال. وأزعم أنني كنت ولا زلت متنبها للتفاصيل حيثما حللت وبمرور العمر والزمن خفت حمى الدهشة وتضاءل منسوب الانبهار بهذه العوالم الجديدة وبدأت أنظر للأشياء بشكل مختلف . لن أتحدث عن الأرقام والإحصائيات فهي متاحة على قارعة الطريق ولكن أتحدث عن قطر تلك التي وهبت عشرين سنة من عمري طواعية لأعيش على أرضها الطيبة وآكل من خيراتها وأعاشر ناسها قد أكون ابتعدت قليلا الآن وأصبحت لي مآرب أخرى في أرض الله الواسعة ولكن ستبقى قطر علامة فارقة في ذاكرتي ما حييت أنا الذي أنخت جمالي لترتاح وأرتاح ولم تعد تهزني لا مطامح ولا مطامع بل كلام أريد أن أقوله بملء الفم في عالم يسوء من يوم إلى آخر ويسرع خطاه نحو البؤس واللامعنى. لست في وارد رد الجميل أو كيل الود بحكم العشرة ولكنها حقائق تلمس وترى ولهجت بها ألسنة الملايين من الزوار والمتابعين لكأس العالم الأخيرة لكرة القدم وما بالعهد من قدم. لا أتحدث عن البنى التحتية من جسور وطرقات وناطحات سحاب وحدائق ومنتزهات وغيرها مما يحصل بسرعات متفاوتة في دول أخرى غنية ولكن أيضا وهذا هو المهم ما ينجز لصالح المواطن والمقيم وما يقدم لهم من خدمات قل نظيرها لجعل حياتهم كريمة ومريحة. يكفي مثلا أن تنقر بعض النقرات على هاتفك الجوال لتنجز معاملة إدارية في لمح البصر يقضي مثيلك في دول أخرى أيامًا وأسابيع لإتمامها. وأينما وليت وجهك في شوارع الدوحة وأرصفتها وحتى في الفضاءات العامة المزدحمة لن تعثر على عقب سيجارة في الأرض. النظافة هنا تكاد تكون فلسفة حياة صحيح يدفعون الكثير من المال لذلك ونعم الدفع إذا كانت الغاية هي الإنسان. ولن أسهب كثيرا في موضوع الأمن والأمان هذه قصة لوحدها صادفني أحيانا كما كثيرين ربما أن أترك الباب الخارجي للمنزل مشرعا أو أن أسهو عن غلق باب السيارة بالمفتاح ولا شيئ يحدث ويقيني أن لا يحدث شيئ ولو لأيام وأشهر. دعوني من الحديث عن الجزيرة لأن شهادتي فيها مجروحة ولكن هذه كانت ولا تزال خيمتي التي أستظل بها وستبقى إحدى المنارات للعقول والضمائر والقلوب في زمن الهشك بشك وتلفزيونات التسطيح والرداءة التي تشتغل على تخدير الوعي صباح مساء. كثيرة هي التفاصيل التي تتزاحم في ذهني ولا أقدر على تعدادها. وإنما أستنتج شيئا واحدا مما سبق: إذا لم يكن جوهر حقوق الإنسان هو هذا فما الذي يكون؟