13 سبتمبر 2025
تسجيلقد فاق الإسلام بآدابه وتشريعاته التي خص بها الطريق، والتي أمر المسلمين بالتخلق بها، فاق كل التشريعات السابقة، وفتح المجال لاستحداث آداب جديدة متطورة، مع تطور الطرق وتعدد أنواعها واختلاف أساليب الاستفادة منها.والآداب الشرعية لمستخدمي الطريق متعددة متنوعة تتناول جوانب كثيرة ومنها:أولا: التواضع أثناء المشي في الطريق وسلوكه: وذلك لأن الطريق مجمع للبشر، وملتقى للناس، فقد يوسوس الشيطان للبعض أن يتكبر على الآخرين ويزدريهم، ظنًا منه أنه خير منهم لما له، أو لمنصبه أو لشكله، أو لمركوبه من سيارة أو غيرها.وقد وصف الله عباده المؤمنين الصالحين بقوله (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) ومعنى ذلك: يمشون بسكينة ووقار وتواضع، فلا كبر ولا خيلاء، ولا تعالي ولا افتخار في مشيتهم، خاصة.وذكر الله سبحانه في وصايا لقمان لابنه قوله: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا) ومشي المرح يدل على الكبر والتعالي والخيلاء والصلف...وعلى العكس من ذلك فإن الإسلام استحسن أن يتعامل المسلم مع إخوانه في الطريق وغيره بالابتسامة الحلوة، المعبرة عن المحبة الصادقة.قال صلى الله عليه وسلم: (إن تبسمك في وجه أخيك صدقة) ومن التواضع في الطريق أن لا يرى المسلم نفسه أحق به من غيره أيًا كان هذا الغير، وبالتالي فلا يزحم فيه أحدًا ولا يزجره عنه أو يبعده من أجل مروره فيه. ثانيًا: ذكر الله في الطريق: ومع التواضع للخلق لا ينسى المسلم وهو يمر في الطريق ماشيًا أو راكبًا أو مسافرًا أو في بلده أن يذكر الله سبحانه، منشغلًا بذكره عما يلفت أنظار الآخرين من بهرج أو مناظر.قال الإمام النووي رحمه الله: باب الذكر في الطريق. روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من قوم جلسوا مجلسًا لم يذكروا الله عز وجل فيه إلا كانت عليهم ترة، وما سلك رجل طريقًا لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كانت عليه ترة) والترة النقص والتبعة...ويلحق بذكر الله في الطريق أن يعرض الإنسان المسلم عما قد يعترضه فيه من جهل بعض الجهلة أو حُمق بعض الحمقى، كما قال سبحانه:(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا). كما يلحق بهذا الأدب أن يلقى المسلم ـ مع الإبتسامة في وجوه الآخرين ـ التحية على سالكي الطريق الآخرين ابتدءًا، ويرد تحيتهم بأحسن منها، على أن يكون السلام في حالتيه عامًا لجميع المسلمين، فالسلام سنة في الطريق "على من عرفت ومن لم تعرف" كما جاءت بذلك نصوص صريحة...ثالثًا: كف الأذى ورفعه: وبما أن الطريق مرفق مشترك بين الجميع فإن أهم الآداب التي جاء النص صريحا عليها: كف الأذى وذلك في الحديث الجامع لمعظم آداب الطريق.فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بدٌ نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله. قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).وكف الأذى الوارد في الحديث يصدق على أمور كثيرة منها: عدم إلقاء القاذورات والأوساخ والفضلات في الطريق، خاصة وقد ورد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:رابعًا: إماطة الأذى عن الطريق صدقة: ومن آداب الطريق في الإسلام ليس فقط أن يكف المرء أذاه، بل إن يعين ويشارك في إماطة أذى غيره عن الطريق، فذلك شعبة من شعب الإيمان، لما فيه من دلالة على حب الخير للمسلمين ومسلك عملي في ذلك.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان) بل جاء في بعض الأحاديث أن ذلك من أسباب دخول الجنة.عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزع رجل لم يعمل خيرًا قط غصن شوك عن الطريق إما كان في شجرة فقطعه وألقاه، وإما كان موضوعًا فأماطه، فشكر الله له بها فأدخله الجنة) وفي صحيح مسلم أن أبا برزة قال: قلت يا نبي الله علمني شيئًا انتفع به قال: (اعزل الأذى عن طريق المسلمين) وإماطة الأذى عن طريق المسلمين قد تكون بالنفس كما مر في الأحاديث السابقة.أو قد تكون بإخطار الجهات المسؤولة عن ذلك فالدال على الخير كفاعله.