31 أكتوبر 2025
تسجيلتدخل تركيا حاليا مرحلة حرجة مدتها 45 يومًا، لتشكيل حكومة جديدة، على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية. وفي حال فشلت الكتل البرلمانية في تشكيل الحكومة من حق رئيس الجمهورية مع رئيس البرلمان الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة خلال تسعين يوما.وبما أن النمو الاقتصادي الذي تمتعت به تركيا على مدار عقد كامل مرتبط بشكل أساسي بالاستقرار السياسي الداخلي، وبما أن منطقة الشرق الأوسط تعيش مخاضاً عسيراً فإن ما يتطلبه الأمر هو أن تتفادى الكتل البرلمانية الحساسيات الإيديولوجية والسياسية للحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والحيلولة دون العودة إلى تركيا القديمة. هذا القلق فرض على الجميع تكثيف اللقاءات للتشاور مع إظهار الرئيس أردوغان الحرص على ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية ما أمكن إلى ذلك سبيلا. القلق المعني به نحن العرب هو السياسة الخارجية التركية فهل ستتغير هذه السياسة طالما أن العدالة والتنمية لن يحكم منفرداً؟ سؤال من المبكر الإجابة عليه طالما أن الأمر مرتبط بنوع وشكل الحكومة القادمة.لا تغيير يذكر في السياسة الخارجية لتركيا حتى تنال الحكومة القادمة ثقة البرلمان أو إلى ما بعد الانتخابات المبكرة في حال فشلت الأحزاب المكلفة بتشكيل حكومة، ما يعني أن مدة لا تقل عن ستة أشهر لن نلمس فيها تغييراً حقيقيا في السياسة الخارجية.وحتى ذلك الحين، يرجح أن يخفف أردوغان انتقاداته للأحزاب الداخلية، وأن يقلل من التصريحات الخارجية التي قد تثير حفيظة توجهات الأحزاب خلال فترة التشاور لتشكيل حكومة.وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة بخصوص نوع الحكومة وطبيعتها:أولاً: حكومة ائتلافية: سيعتمد الأمر في هذه الحالة على نوع الشريك الائتلافي وعلى المواضيع التي سيتم الاتفاق عليها أو المساومة بشأنها. المرجح في مثل هذه الحالة أن يبحث العدالة والتنمية عن الشريك الأضعف والأقل عددا والمرجح لذلك هو حزب الشعوب الديمقراطي أو حزب الحركة القومية. يكاد يجمع أغلب المحللين على عجز الأحزاب الثلاثة المعارضة على تشكيل حكومة بعيدا عن العدالة والتنمية لتناقض هوياتها الإيديولوجية وتضارب وتضاد مشاريعها السياسية.الأرجح أن يكون الائتلاف بين حزب العدالة وحزب آخر، فإذا كان الائتلاف مع حزب الشعوب الديمقراطي، من المرجح أن يكون العمل الأكبر منصب على تسريع ملف المصالحة مع الأكراد وإظهار دعم تركيا لهم إقليميا سواء في سوريا أو إقليم كردستان. أما إذا كان التحالف مع الحركة القومية فالمرجح تعثر ملف المصالحة مع الأكراد لصالح النزعة القومية والتخلص من طموحات أردوغان بتحويل البلاد إلى نظام رئاسي، والحد من التدخل التركي في أزمات المنطقة والانكفاء نحو الملفات الداخلية الأمر لا يكاد يختلف ما إذا تم الائتلاف مع حزب الشعب الجمهوري. وسيكون التركيز على ملفات كشف الفساد الداخلي وإسقاط مشروع النظام الرئاسي والتوافق على بعض البرامج الاقتصادية.ثانيا: حكومة أقلية يمثلها حزب العدالة والتنمية: في هذه الحالة سيكون من الصعب اتخاذ قرارات مصيرية على الصعيدين الداخلي والخارجي لعجز الحكومة في الحصول على ثقة الأغلبية البرلمانية في كل قضية تتقدم بها. وسيكون الأمر مرتبطا بكل قضية على حدة، حيث ستنظر كل كتلة إلى الفائدة المرجوة من التصويت بنعم أو لا.ثالثاً: التوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة: وهذا يعني بقاء حكومة داوود أوغلو، وبقاء السياسة الخارجية كما هي دون تحويل أو دفع نحو الأمام، وإنما ستكون إستراتيجيتها هي تقطيع الوقت لحين تجاوز الأزمة السياسية بانتخابات جديدة تسمح بوجود حكومة من لون واحد، يراهن العدالة والتنمية على كسبها فيما لو أجريت الانتخابات المبكرة.وفي نظرة سريعة على المواقف التركية المتوقعة لجهة قضايا الشرق الأوسط نجد أن الأحزاب الثلاثة الفائزة في البرلمان معارضة في مواقفها لتوجهات حزب العدالة والتنمية الأساسية في الشرق الأوسط بدرجات متفاوتة. الاختلاف الأوسع هو بين حزب العدالة، وحزب الشعب الجمهوري سواء في سوريا أو مصر أو في العراق وغيرها من الملفات. في حين تخف حدة الخلاف مع الحزبين الباقيين، وقد يتمكن العدالة والتنمية إلى التفاهم مع شريكه الائتلافي منهما بخصوص السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط كون العدالة والتنمية يدرك أن من طبيعة الحكومات الائتلافية هو التوجه نحو القضايا الداخلية بشكل أكبر، وقد تعود تركيا إلى سياسة الانسحاب الهادئ والتدريجي وإعادة اعتماد سياسة صفر مشاكل حتى لا تقع في أزمة داخلية. المحرك الأساسي للسياسة الخارجية في هذه الحالة هو الاقتصاد ما يعني مزيداً من الانفتاح نحو إيران وروسيا ودول الخليج ودول شمال إفريقيا.