20 سبتمبر 2025
تسجيلكانت انتخابات السابع من يونيو النيابية في تركيا محطة فاصلة بين مرحلتين.للمرة الأولى لم يعد باستطاعة حزب العدالة والتنمية الحكم بمفرده مع خطر أن يبقى أيضاً خارج الحكم كلية.الانتخابات أفرزت نتائج كانت متوقعة إلى حد ما، لكنها فاجأت المراقبين بأمرين.الأول النسبة العالية من الأصوات وبالتالي المقاعد البرلمانية التي نالها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي والثاني نسبة التراجع الكبيرة لدى حزب العدالة والتنمية.ومن أي زاوية نظرنا، فإن حزب العدالة والتنمية تلقى ضربة ثقيلة جدا، ليس من جانب المعارضة فقط، بل من جانب كتلته الناخبة نفسها.فهو خسر تسع نقاط على مستوى تركيا و18 نقطة على مستوى الحزب عما كانت عليه قوته في العام 2011، إذ تراجع من خمسين إلى 41 في المئة.تراجع الحزب وفشله في الحفاظ على مقاعده في البرلمان، لا بل فشله في الحصول على الغالبية المطلقة أي النصف زائد واحد، جعله غير قادر على الاستمرار في السلطة إلا في حالة وحيدة وهي موافقة أحد أحزاب المعارضة على أن يشاركه في ائتلاف حكومي. وبالتالي سيحتاج الحزب في حال استمر في السلطة بحكومة ائتلافية إلى موافقة الشريك الآخر على أي قرار في كل المسائل وهذا يعني تكبيل يديه كيفما اتجه وهو ما يجعله خارج ما اعتاد عليه طوال 13 سنة.يجر هذا إلى مسألة أخرى وهي أن هذا الفشل الذي لم يعتد عليه الحزب سيكون موضع مساءلة داخل صفوفه، إذ ليس من المنطقي أن يتعرض الحزب لأول هزيمة وكانت في الوقت نفسه قاصمة، دون أن يحقق في أسباب الفشل ومن المسؤول عنه ويحاسب المسؤولين عنه.ولعل الأزمات التي واجهت الحزب في قضايا الحريات والسلطة القضائية وشبهات التورط في قضايا فساد، إضافة إلى تفريغ الحزب من قياداته التاريخية والمؤسسة واختصار الحزب بيد شخص واحد هو رجب طيب أردوغان، هي من أهم أسباب احتجاج جانب من قاعدته عليه وعدم التصويت له. وإن مراجعة نقدية لمسيرة الحزب وأخطائه في الداخل، كما تقييم أسباب تراجع سياسات صفر مشكلات في الخارج، هي أكثر من ضرورة في هذه المرحلة وبالتالي ضرورة عدم دفن الرأس في الرمل على غرار النعامة. وإلا فإن مصير الحزب لن يكون أفضل من مصير حزب الوطن الأم في الثمانينيات وبداية التسعينيات عندما ترك طورغوت أوزال زعامته للحزب إلى رئاسة الجمهورية فمات وهو رئيس، لكن حزبه تعرض من بعده إلى الهزيمة في الانتخابات النيابية وصولا إلى الانحلال الكامل.إن عدم إجراء أي مراجعة نقدية لما جرى وبكل وضوح وصراحة وجدية، لن يفيد تجديد الحزب، بل سيلحق الأذى بتجربة الحركات الإسلامية، ولاسيَّما السياسية منها في تركيا وفي العالم العربي والإسلامي.يتعرض الإسلام السياسي في تركيا لأكبر هزة في لحظة حساسة من تاريخ تركيا والمنطقة. والحزب بحاجة إلى إعادة مراجعة جذرية في طريقة تعاطيه مع المكونات الأخرى في تركيا وضرورة إبداء الاحترام لها ولاسيَّما الأقليات العرقية والمذهبية والدينية وهي مجتمعة لا تقل عن ثلث سكان تركيا.إن الحركة الإسلامية في عهد حزب العدالة والتنمية لم تنجح في اختبار التعامل مع هذه المكونات ولم تختلف عن سابقاتها من الحكومات العلمانية والعسكرية.ولم تنجح أيضاً في التعامل مع قضايا الحريات ولاسيَّما الصحفية منها.ولم تنجح في التعامل مع الحركات الإسلامية الأخرى التي اختلفت عنها في النظرة إلى العديد من القضايا.وعلى الصعيد الخارجي، فإن تجربة حزب العدالة والتنمية كانت ناجحة حتى بداية "الربيع العربي" الذي سرعان ما أدخل تركيا في صراعات مريرة مع الجميع في المنطقة، بحيث استحالت سياسة صفر مشكلات إلى صفر علاقات.ولا يعطي قول أحمد داود أوغلو بأن المشكلة عند الآخرين وليست عند تركيا جوابا مقنعا، إذ ليس من المنطقي أن يكون الجميع على خطأ وتركيا على صواب.بمعزل عن احتمالات شكل السلطة المقبلة، فإن القضية الأهم برأيي هي استخلاص الدروس من نتائج الانتخابات قبل القول بشكل السلطة المقبلة، ائتلافية كانت أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة.النقطة الأساسية هي الإجابة عن السؤال التالي: لماذا فشلنا؟ وبدون تشكيل إجابة صريحة وموضوعية فليس من مبرر لاستمرار الحركة الإسلامية في تركيا ممثلة بحزب العدالة والتنمية في خوض السياسة.