19 سبتمبر 2025

تسجيل

تفتكر كم؟

13 يونيو 2011

الكوكب يموج، يمور، ويفور، ويثور، وأهله مشغولون كل فيما هو فيه، البعض يثخن في الأرض الجراح، والبعض يجتهد في تربية الشوك والمكائد، وقطع الأرزاق، البعض مشغول بـ"الأنا" كيف يجمع لها من حلال أو حرام، (مش مهم) الأهم أن تنتفخ الأرصدة (وتسمن) البعض (طايح) في الناس ظلما يختال به غير حاسب أن على الباغي تدور الدوائر، وآخر كل همه اليوم.. اليوم.. وليس غدا، يموج الكوكب بظلمات بعضها فوق بعض، الطيبون يحاولون دفع البلاء، ويأبى العكرون إلا أن يحرقوا حقول الورد الجميل، ونحن مشغولون.. فتح شهر (رجب) الطيب الباب وبهدوء دخل إلينا، حاملا سلاما وبشرى، كثيرون لم ينتبهوا له رغم اكتمال هلاله بدرا بعد أيام ثلاثة، ورغم أنه قال بعد سلامه إن (رمضان) الكريم قاب قوسين أو أدنى من الباب فانظر يا كل موجود حولك، تأمل حالك، تأمل العمر الراكض إلى يوم فراق محتوم لكل ما في أيدينا، وحولنا، ومعنا من أهل، ومال، وولد، تأمل خزائنك المليئة من كل شيء، وقلبك الفارغ من أعظم شيء، تأمل التفريط، و(غدا) التي نعلق عليها تسويفنا الكثير، انظر حولك، تأمل حالك، الق نظرة عابرة على عام ركض واستدار، لا ندري كم في حصالته من سوء اقترفناه عن جهل وقصد، وكم تُهنا كبرا، وكبرياء، ونحن اضعف من بعوضة، انظر حولك، تأمل حالك، واحوالك، ان كنت ظلمت فانصف، او كذبت فاصدق، او جرت فارجع، ان كنت اخطأت فاعتذر، أو اضررت فانفع، او خنت فادمع، ان كنت اكلت حقوقا فأعدها أو ابرئ ذمتك منها بالمسامحة، ان كنت خذلت مظلوما فانصره، أو قهرت صاحب حق فرده، إن كنت قصرت في حق العباد ورب العباد فأطل ندمك علك تعتق رقبتك، قال (رجب) الطيب كثيرا، ابرأ ذمته بالنصيحة وبقي أن نسمع أو لا نسمع، أن نتخفف من ذنوبنا، أو نغطس فيها لآذاننا، نسأل الله السلامة. * * * * * * تفتكر كم حسنة يكتبها لك كاتب الحسنات لو انك انصفت مظلوما، او دافعت عنه أو اعدت له حقه، او لم تشترك في ظلمه بكلمة حق تخلصك يوم التغابن؟ تفتكر كم حسنة تزين صحيفتك لو أغثت ملهوفا، أو ساعدت بعون الله في فتح باب رزق اغلقه غيرك بالضبة والمفتاح ناسيا الرزاق الكريم؟ تفتكر كم حسنة ستسجل لك وقد فرجت كربة مسلم، أو سترت بيتا، أو حفظت عرضا، أو اغنيت ضعيفا عن تكفف الناس؟ تفتكر كم حسنة يكتبها الكاتب وقد رددت عن غائبين نميمة احدهم وقد راح يلوث ذمما، ويلوك اعراضا، ويقذف الناس بما ليس فيهم؟ تفتكر كم حسنة؟ مش عارف؟ فلنترك الحسبة إذن ليوم الفرح الأكبر. * * * * * * الخير يجيد السباحة، افعل الخير والق به في البحر لانك يوما ما ستقابله وجها لوجه، ربما في بحر آخر بعيد، بعيد جدا عن ذلك الذي القيته فيه، وتأمل كم من خير فعله بشر وذهبوا إلى حال سبيلهم ثم طرح ما فعلوه للناس سترا، وتوفيقا، ونجاحا وفلاحا وسدادا وسعادة وقرة عين للأولاد، بل للاحفاد، تأمل أولئك الذين لم يمتد بهم العمر ليروا ثمار الخير الذي بذلوه للناس لكن الأيام ادخرت لهم جميل ما فعلوه لفلذاتهم وأحبتهم من بعدهم جزاءً وفاقا، بل هدية وفاء من أيام طيبة تأبى أن ترد على الإحسان إلا بالإحسان وبالخير على الخير. * * * * * * لا تنفصل حياتنا عن الإحسان، والاستغناء، والاحتياج، فأحسن لمن شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج لمن شئت تكن أسيره! * * * * * * الحياة تختلف عنا في كل شيء، الحياة لا تجامل، ولا تنحاز، ولا تحابي احدا، دستور الحياة العدل فكلنا نحتل نفس المساحة، وكلنا نستنشق نفس الهواء، وننعم بدفء شمس واحدة، كلنا نتمتع بجمال الورد، وعذوبة انسيال البحار والأنهار، ونور القمر وقد اكتمل، الحياة عادلة، لا تظلم احدا تعطي الجميع من سلال خيرها وجمالها وتمنح كل خيراتها دون تمييز او تفرقة بين بشر الكوكب، هل عمرك رأيت شمسا تمنح جارك دفئها وتمنعه عنك؟ أو نهارا يشرق بنوره في عينيه بينما نصيبك منه العتمة؟ هل عمرك رأيت شجرة تمد غصونها لتظلك من هجير شمس حارقة بينما تبخل على غيرك بالظل؟ هل عمرك تذوقت الماء عذبا زلالا، بينما غيرك قد ذاقه ملحا أجاجا؟ لم يحدث لأن الحياة عادلة لكننا كثيرا ما نمر على عدل الحياة وانصافها دون ان نتذكر كم نجور، ونجامل، كم ننحاز، ونظلم، كم نسيد الهوى على الحق، والظلم على العدل دون أن يرف لنا جفن!! * * * * * * أحلى الكلام لا تحزن ما دمت إنساناً.