17 سبتمبر 2025

تسجيل

الحال المرتحل

13 مايو 2021

حين تقرأ القرآن لا تنقطع عنه، تتحول إلى حال مرتحل، وقد تقول ما الحال المرتحل، كما جاء في سنن الترمذي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً قال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الحال المرتحل. قال: يا رسول الله، وما الحال المرتحل؟ قال: يضرب من أول القرآن إلى آخره ومن آخره إلى أوله. إنه الذي ما أن يختم القرآن، حتى تجده بدأ ختمة أخرى جديدة، وعلى المنوال هذا مستمر إلى أن يشاء الله أمراً كان مفعولا. وهذا الذي كل أحد منا يرجوه من الله بعد نهاية شهر عظيم مثل رمضان، شهر القرآن، أن يديم نعمته عليه بالمداومة على قراءة القرآن. من هنا، إن كنت حالاً مرتحلاً، تتأمل وتتدبر الآيات في يومك وليلك، فلاشك أنك في خير عظيم، حيث ستجد نفسك بعد كل رحلة أو ختمة، وقد مررت على آيات تجدها وكأنما تقرأها للمرة الأولى، وربما وجدت نفسك تتأمل آية وتتدبر أخرى، لتخرج منها بمفاهيم ومعان لم يكن عقلك يعيها في وقت سابق. لكن بكثرة المرور على الآيات وعمق التأمل والتدبر، مع نضج عقلي ومعرفي تكوّن عندك، صرت ترى الآيات بطريقة اخرى مختلفة. فهكذا القرآن، كلما أعطيته من وقتك، أعطاك من لآلئه ودرره المكنونة. الحمد لله رب العالمين أربع كلمات. هي أول أربع كلمات قرآنية من بعد البسملة. أول أربع كلمات في بداية القرآن العظيم. أربع كلمات في آية واحدة تأتي ضمن السبع المثاني، هي عدد آيات سورة الفاتحة، التي لها أسماء كثيرة، منها أم الكتاب، الحمد، والسبع المثاني. وقد روى البخاري عن أبي سعيد ابن المعلى أنّه طلب من النبي أن يعلمه أعظم سورة في القرآن الكريم فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:" الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". حين تقولُ في صلاتك: الحمد لله رب العالمين، يرد عليك الله عز وجل: حمدني عبدي، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. اهدنا الصراط المستقيم ما هذا الصراط المستقيم الذي نرجوه في كل صلاة من صلواتنا، ونظل نردده أكثر من عشرين مرة بالليل والنهار؟ ما هذا الصراط الذي ندعو الله أن يهدينا إليه بعيداً عن صراط الذين ضلوا الطريق أو غضب الله عليهم؟ لابد أنه صراط مميز يجعلك، بل يلهمك الله أن تسأله مرات عديدة من الفجر إلى العشاء، في صلواتك وخارجها، وإلى ما شاء الله لك أن تسأله سبحانه، أن يجعلك عليه حتى الممات. نعم، لولا أنه صراط مميز لا يشبهه صراط أو طريق آخر، لما تكرر الاهتمام والتذكير الإلهي به وأهميته ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون). الصراط المستقيم إذن في كلمات مختصرة واضحة وجامعة، هو الطريق الموصل إلى الجنة، تدخل من أي باب من أبوابها بإذن الله. الصراط المستقيم هو القرآن، هو دين الله الإسلام، هو طريق الحق، هو الطريق الذي إن سرت عليه فلا شك أنه يوصلك إلى الهدف الأسمى وتحقق الغاية الكبرى من وجودنا في هذه الحياة، وهي نيل رضا الله لدخول الجنة والنجاة من النار. هل هناك أسمى من هذه الغاية؟ لكن إن ضللت الطريق بعد حين من الدهر، طال أم قصر، وأخذت السير على صراط آخر غير الذي حدده لك رب العالمين، فاعلم أنك أنت وحدك من سيتحمل تبعات ونتائج سلوكك أو سيرك على هذا الصراط المختلف عن الذي بيّنه ووضّحه الخالق لك، ودعا إلى السير عليه وعدم اتخاذ طريق أو سبيل آخر غيره، كافة الأنبياء والرسل - عليهم السلام - وآخرهم سيد ولد آدم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. إن من نتائج الخروج من رمضان، ومن بعد قيام ليله وصيام نهاره، إيماناً واحتساباً، هو شحن النفس بطاقة إيمانية تعين المرء للسير على الصراط المستقيم حتى مجيء رمضان التالي، وعلى هذا المنوال نسأل الله أن نسير إليه حتى يأتينا اليقين.. وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير، وفرّج الله عن أهل فلسطين، وثبت أقدام المجاهدين والمرابطين منهم، وخذل عدوهم من الصهاينة، الإسرائيليين منهم والعرب، إنه سميع عليم مجيب الدعوات. [email protected]