17 سبتمبر 2025
تسجيلفي دولة البحرين وفيما بين الخامس إلى السابع من مايو ٢٠١٤م أقامت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف مؤتمر (حوار الحضارات والثقافات: الحضارات في خدمة الإنسانية)، وكانت رسالة المؤتمر بحسب ما جاء في الكُتيّب التعريفي للمؤتمر هي: (العمل على تفعيل مبدأ التعارف الإنساني لإسعاد البشرية من خلال الحوار الحضاري وتقديم كل حضارة ما لديها من منجزات من أجل إسعاد المجتمع البشري)، وجاءت محاور المؤتمر متوافقة إلى حد كبير مع رسالته ولكن ما فعله الحاضرون على أرض الواقع لم يستطع أن ينسجم مع تلك المحاور ولا مع رسالة المؤتمر لعدة أسباب قد يكون من أبرزها الطريقة غير الجيدة في إدارة الجلسات وكذلك بعض الخلل في التنظيم، ولكن ذلك لا يقلل أبدا من أهمية المؤتمر وكذلك من تحقيق أهدافه ولهذا يبقى الأمل أن تتواصل هذه المؤتمرات وفي أكثر من بلد عربي وأجنبي، والأمل أن تتطور هذه اللقاءات إلى الأفضل لكي تعود بفائدتها على سائر الناس وفي سائر أنحاء المعمورة.في حفل الافتتاح الذي حضره سمو ولي العهد أُلقيت عدد من الكلمات تركزت حول أهداف المؤتمر، وكان من بين المتحدثين ولي عهد الأردن السابق الأمير الحسن بن طلال الذي ركز على دور الغرب في التفرقة بين طوائف المسلمين - السنة والشيعة - بهدف إضعاف المسلمين جميعا ليسهل عليه السيطرة التامة على الجميع!! ودعا في كلمته إلى أهمية جمع كلمة المسلمين وإلى الابتعاد عن الحروب المدمرة التي تفرق بين الأمم وتدمر الحضارات، وتساءل: ماذا قدم العالم للفقراء ومن في حكمهم؟ وفي نهاية كلمته دعا إلى توحيد الكلمة في الداخل أولا ثم في الخارج.شخصيا لست أدري هل كان يقصد بالداخل الداخل البحريني أم الداخل العربي ولكن أيّا كان مقصده فإنني أود التأكيد وفي هذه المناسبة التي دعت إلى الحوار بين أتباع جميع الديانات إلى أن هذا النوع من الحوار لن يكون ناجحا كما نريد قبل تحقيق الحوار الداخلي بين طوائف الدولة الواحدة ثم بين الدول العربية والإسلامية!! ومن هنا ولعلمي أن حكومة البحرين حريصة كل الحرص على لملمة الخلاف بين الدولة وبين المواطنين الشيعة فإن العمل بجد على هذا المسار سيساهم في دفع مسيرة الحوار الداخلي بأسرع ما يمكن، وقد لمست أثناء جلساتي مع عدد كبير من مثقفي الشيعة أن لديهم الرغبة نفسها وهذا يجعل مسيرة الحوار ميسرة بإذن الله.العرب هم أيضا يعيشون حالة تشرذم، وكذا حالة صراع داخلي في بعض دولهم، ويكفي الإشارة إلى ما يحدث في مصر وسوريا والعراق ولبنان وليبيا وغيرها، فالأوضاع الداخلية في هذه الدول لا تبشر بخير فأبناؤها يقتل بعضهم بعضا، وحكامهم مابين صامت أو عاجز أو مشجع على ما يحدث، أما طبيعة العلاقات بين مجموعة من دولنا العربية فهي سيئة أيضا، ولست أدري هل أن الحوار الحضاري بين دولنا أصبح مطلبا ملحا، وهل سيكون له مردود إيجابي حقيقي لو أنه وجد أرضا خصبة؟!! الأمير تركي الفيصل تحدث هو الآخر في حفل الافتتاح، وأشار إلى تجربة المملكة العربية السعودية في الحوار الحضاري والتي بدأت منذ حوالي نصف قرن وفي عهد الملك فيصل - رحمه الله - وكيف استمرت بنفس القوة في عهد الملك عبدالله، وأشار إلى مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الديانات ومقره في فيينا والآمال المعقودة عليه في التقريب بين أتباع الديانات والحضارات، وختم كلمته بالحديث عن المجازر التي تحدث في سوريا والعراق ودعا إلى العمل على إيقافها فورا.المؤتمر ناقش قضايا متعددة ومهمة منها: قضايا التطرف، وعلاقة التعليم الديني في تعايش أتباع الحضارات، وكذلك خطاب الكراهية وأثره السلبي على أتباع الحضارات، كما تم مناقشة التعددية وحقوق الإنسان والديمقراطية في ظل الحضارات المتعددة وموضوعات أخرى ذات صلة بموضوع المؤتمر وأهدافه، وكانت نهاية المطاف في جلسات المؤتمر جلسة حول: (مملكة البحرين ومسيرة التسامح والتعايش الحضاري) وهذه الجلسة أكدت ما نعرفه جميعا عن التسامح في البحرين والذي نأمل أن يعود كما كان.لغة المؤتمر كلها كانت تتحدث عن التسامح والمحبة والتعايش التي يجب أن تسود بين الشعوب على اختلاف أديانها ومذاهبها وأفكارها، ولكن المؤسف أن الواقع كان ولا يزال صادما وفي معظم أنحاء العالم فهو بعيد عن الأفكار التسامحية التي سمعناها كثيرا ؛ فالمسلمون مثلا - يُقتّلون في بورما وفي إفريقيا الوسطى وفي إسرائيل وفي غيرها من دول العالم وللأسف لا نجد من يوقف هذه المجازر بل إننا نجد أن بعض رجال الدين يساهمون في التشريع لقتل المسلمين لا لشيء وإنما لمجرد أنهم ينتمون لديانة مغايرة!! كما نجد أيضا أن الدول الكبرى تتسابق على صنع الأسلحة ومن ثم بيعها على الدول الأخرى وتشجعها على الاقتتال فيما بينها لتستمر مصانعها في صنع آلات الدمار وكان الأحرى أن تنفق هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين وأيضا على الصحة والتعليم والبنية التحتية، وأيضا على نشر مبادئ الأخوة والتسامح الحقيقية بين الشعوب كي نرى تلك المبادئ التي نتحدث عنها كثيرا وفي أكثر من بلد عربي وغير عربي واقعا تعيشه الشعوب بشكل حقيقي وليس مجرد كلام يقال هنا أو هناك.قطر عقدت أكثر من مؤتمر للحوار بين أتباع الديانات والمذاهب والمملكة العربية السعودية فعلت الشيء نفسه وفيها مؤسسات قائمة لهذا الغرض بعضها في الداخل والبعض الآخر في الخارج، وهكذا فعلت البحرين، وربما تتبعها دول أخرى، ولكن الحوار وحده لا يكفي مهما كثرت المؤتمرات التي تعقد من أجله ؛ فالمجتمعات البشرية بحاجة إلى قادة شرفاء يؤمنون بقيمة الإنسان وحقه في الحياة الحرة الكريمة، كما أن الشعوب بحاجة إلى معرفة حقوقها وكيفية حصولها عليها، ويبقى بعد ذلك أن تصب ثقافة المجتمعات البشرية على قيم الإخاء والتسامح وأن يكون الحوار الهادئ الهادف هو الطريق الموصل إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار لكل الشعوب، وأعتقد أننا بهذه الطريقة قد نقرب المسافات بين الشعوب، ونقلل من المآسي التي نراها منتشرة هنا أو هناك.