10 سبتمبر 2025
تسجيلنتجرع ألم الخيبات ونحن نرمي حمولة أثقال عثراتنا ونواقصنا، على الآخرين، مؤكدين عجزنا الشخصي وقلة حيلتنا. فمن أيسر الحلول إيجاد من يحمل هذا القصور الكامن بأعماقنا، وينتشل عقد النقص التي تؤرق مضاجعنا، لم لا؟ ونحن نحارب لنُبدع في رسم صورنا المُزيفة، بابتكار الأعذار الواهنة واختلاق التبريرات لتمتص شوائبنا ونُرضي غرورنا. نتفاوت جميعنا في رمي أخطائنا اللامتناهية على الآخرين حين السقوط فقط لنبرر الفشل ولنحمي أنفسنا من الانكسار والدونية، فهي أسهل الحيل اللاشعورية الدفاعية، التي نخوضها بإلصاق النقائص والرغبات المكبوتة بالآخرين بعملية هجومية تُخفف من القلق والتوتر الناتج من مواجهة سماتنا الشخصية بكل شوائبها. ولإثبات صعوبة الاعتراف طلبت من أحدهم أن يذكر لي خللا يجده في شخصيته أو صفة مُعيبة يأمل التخلص منها، فتغيرت تعابيره، ورمقني بنظراته الحادة، ثم اعتدل بجلسته، وقد ارتسم على وجهه الاستنكار لسؤال مُباغت يتطلب تفكيراً عميقاً. لكنه سرعان ما جاءه الفرج فتدارك أمره بنكران جازم لوجود عيوب ظاهرة أو باطنة. ثم طأطأ رأسه مُستسلما ليستهل إجابته بأسئلة تبريرية لكل موقف تعرض له أو فكر تبناه، مُعللاً تصرفاته ومشاعره بكونها انعكاسا لتصرفات الآخرين، فهذا الشخص يكرهه وذاك يستغله والآخر يكذب عليه. مؤكداً قناعاته بترديد عبارات الاستعطاف كقوله: أليس من المزعج أن يتصرف الآخرون على هذا النحو؟ ألم يُفترض أن يعمل فلان كذا؟ وهل من الطبيعي أن تقول فلانة ذلك؟ لماذا يسيئون فهمي ولا يُقدرون عطائي؟ لماذا لا ينشغلون بأنفسهم عني؟ وهكذا يتمادى متقمصاً دور الضحية التي تآلف العالم على أذيتها، فطيبة قلبه وصفاء نيته جعلت من حوله يتعمدون إزعاجه ويتفننون في إثارة قلقه وإخراج أسوأ ما فيه. فاستوقفته قائلة: حسناً، دعك من كل ذلك وأخبرني عن أي خلل تراه في شخصيتي أنا؟ وقبل أن أُكمل جُملتي، رمى جوابه سريعاً دون تردد أو تبرير وأطلق أحكامه بمسميات صريحة لسمات ذاتية هو فقط من يراها فيَّ بوضوح، وكأنه قد دب فيه الحماس لإجابات ناضجة حان قطافها لتقطيعها وتوزيعها. ولولا طلبي منه التوقف كي لا تضيع نقطة البداية لجلدني بسوط أحكامه، ولا يعني ذلك بأني خالية من التناقضات، مُتعافية من الإسقاطات. لكن سهولة إصدار الأحكام على الآخرين، أنستنا رؤية دواخلنا، واستكشاف خبايانا، وإننا المسؤول الأول والأخير عن كل ما يحدث بحياتنا، لنتعلم كيف نتجاوز العقبات دون الهرب منها بتعليقها على أكتاف الآخرين كشماعة نُسقط عليها كل ما يستصعب علينا تفكيك رموزه، كما لن يستطيع أحد أن يؤثر في حياتنا إلا إذا سمحنا له بذلك، فما نفكر به ونعتقده يُغذي توقعاتنا وأفكارنا الدائمة، وما يفعله الناس من حولنا ما هو إلا نتاج قراراتنا وتصرفاتنا. فهي عملية لا شعورية بحتة يتبعها الفرد حين يُسقط حكمه على الآخرين فينسب سماته الذاتية وعواطفه وميوله إليهم كقوله فلان يكرهني ليخفف من إثم مشاعرة الدفينة تجاه ذلك الشخص الذي يحمل له مشاعر الكراهية. وذاك كاذب ليغطي عدم صدق نواياه مع الآخرين. كل ذلك يعود لعدم قدرته على الإدراك والاعتراف بوجود هذه الصفة في العمق الخفي. كم هو باهظ ثمن تلك الأقنعة التي تحول بيننا وبين أعماقنا النازفة، لتزييف واقعنا فتُحيل حياتنا لصراع دامٍ يشل مشاعرنا ويبتر علاقاتنا. فتشويه الحقائق بحثاً عن عالم مسالم، خوفاً من مواجهة الواقع القاسي لن يجلب لكم سوى المزيد من الأذى. فلنسمي الأسماء بمسمياتها، ولا نسقط الأفكار الإيجابية على ما هو ظاهره سلبي لنحمي أنفسنا من الحقيقة المُرّة. لذا جرب ألا تكن مُحاميا على أخطائك وعلى أخطاء غيرك قاض، انشغل بنفسك فقط، هذبها واستكشف نواقصها. فالذات الواعية هي التي تدرك ما فيها، تعي وتحاسب وتصحح ذاتها، لا تنشغل بنواقص الآخرين بقدر ما تُدقق في خباياها التي جذبتها إليك لتسقط عليها أجزاءك المتناثرة. واجه ذاتك، حمِّلها مسؤولية ما آلت إليه، انتبه! لكمية توجيه اتهاماتك للآخرين، ولاحظ ردة فعلك عندما تُوجه إليك أصابع الاتهام، فإن ارتبكت مشاعرك وخُيِّل إليك بأن كُل من يختلف معك يُعاني من مرض نفسي وصفة سيئة مُعينة، فعلى الأغلب أنت من تحملها وتعاني منها ولكنك تخشى الاقتراب منها لذلك تسقطها على الآخرين، ظناً منك بأنك تبعدها عنك، في حين أنها ستظهر بمحيطك وستتأذى منها إلى أن تفهم الدرس.