11 سبتمبر 2025

تسجيل

الجزائر.. النظام يتجه نحو إعادة إنتاج نفسه

13 أبريل 2019

هل هو التطور نحو الوراء، أم العودة لنقطة الصفر، أم إصرار النظام على تجاهل مطالب الحراك وإعادة إنتاج نفسه من خلال الحل الدستوري وتطبيق المادة 102 من دستور تم تفصيله حسب مقاس الرئيس السابق بوتفليقة الذي عبث به كما شاء؟. الكثير من المحللين رأوا أن استقالة بوتفليقة لا تعني الكثير، حيث إن ذهاب بوتفليقة ومجيء بن صالح هو تبادل أدوار بطريقة تحافظ على النظام واستمراره، الشعب الجزائري في الواقع لا يريد استبدال بوتفليقة ببن صالح ابن النظام الذي صال وجال في الوسط السياسي الجزائري لمدة تزيد على الثلاثين سنة، بن صالح الذي ترأس مجلس الأمة لأكثر من أربع مرات وترأس حزب التجمع الديمقراطي الذي يعتبر من آليات النظام الفعالة، بن صالح الرئيس الحالي للجزائر بموجب المادة 102 والذي سيترأس البلاد لمدة 90 يوماً ويشرف على الانتخابات الرئاسية القادمة في 4 يوليو 2019 هو من ضمن المتحمسين الكبار الذين أصروا على العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة والذين كانوا من الأوفياء والمخلصين لنظام اتسم بالفساد وبتبذير المال العام وانتشار الصفقات المشبوهة والقضايا التي أسالت الكثير من الأحبار والأخبار كقضية الكوكايين والخليفة وسوناطراك وغيرها كثير، ما يعني أن بن صالح هو رمز من رموز النظام والذي سيعمل جاهداً على إعادة إنتاج هذا النظام الذي ترعرع وكبر وهرم في ضلوعه، ما يعني أن المسيرات المليونية التي شهدتها الجزائر مدة 8 جمعات متتالية لم تأت بشيء يذكر ما عدا اعتراف العالم بسلميتها وتنظيمها المحكم ونضجها السياسي، فمن شعار "خواة- خواة" أي إخوة إخوة إلى حالة يبدو فيها أن الجيش تخلى عن الحراك ونسي المادة 7 و8، والمأزق الذي يواجهه الحراك بعد استقالة بوتفليقة هو أن دستور 2016 لم يأخذ بعين الاعتبار ما تمر به الجزائر هذه الأيام، فالدستور الذي فصله نظام بوتفليقة وتلاعب به ثلاث مرات لا يستطيع بأي حال من الأحوال حل الأزمة الجزائرية حالياً دستورياً، فالحل إذن سياسي بالدرجة الأولى. فالمادة 102 لا تستجيب نهائيا لمطالب الحراك بل تسمح بطريقة شرعية ودستورية لرئيس مجلس الأمة ليترأس البلاد لثلاثة شهور. فإذا انحاز أحمد قايد صالح للحراك في المرحلة الأولى وفرض على السعيد بوتفليقة والجناح العسكري الموالي له استقالة الرئيس بوتفليقة وتنحيه نلاحظ أنه بعد تنصيب بن صالح في 9 أبريل 2019 رئيسا للبلاد بموجب المادة 102 نلاحظ أن قائد الأركان انحاز للنظام في عملية إعادة إنتاج نفسه، وأصبح قايد صالح يصف بين عشية وضحاها مطالب الحراك بالمطالب التعجيزية ما يحتم ضرورة الالتزام بالدستور وفجأة نلاحظ ان الكلام عن المادة 7 و8 قد اختفى كاختفاء الماء في الملح. الأزمة التي تعيشها الجزائر حالياً لا تحلها المادة 102، وهذه المادة تصلح في ظروف عادية وليس في ظروف خرج فيها 20 مليون جزائري يطالبون بالتغيير، وحتى الدستور لا يصلح في الظروف الحالية لأنه اخترق من قبل الرئيس المستقيل 3 مرات واخترق عندما وافق الرئيس السابق على حكومة لا ترقى لأن تكون حكومة تسيّر شؤون البلاد في مثل هذه الظروف. فالمسار الدستوري الذي تريده قيادة الجيش وتهدف من خلاله إلى الحفاظ على النظام يعتبر التفافاً على مطالب الشعب ولا يفي بالغرض بل يكرس الوضع الراهن ويستبدل بوتفليقة ببن صالح والاثنان من نفس النظام ويمثلان عقدين من تسيير سياسي وإداري واقتصادي فاشل بكل المعايير والمقاييس وما بن صالح إلا امتداد لنظام بوتفليقة ما يعني أن مسيرات ملايين الجزائريين لمدة شهرين ذهبت أدراج الرياح وأن نظام بوتفليقة بقي قائما برجالاته وأيديولوجيته وبجيشه. فالجيش من خلال موقفه الأخير ثمن فكرة تغيير شخص الرئيس، بإقامة انتخابات رئاسية في غضون 90 يوما من استقالة الرئيس. المسار الدستوري يكرس ويدعم الوضع الراهن وإعادة إنتاج النظام بامتياز حيث يخدم أحزاب النظام أكثر من أحزاب المعارضة كونها تملك من الموارد والخبرة ما يمكنها من التحضير للانتخابات خلال هذه المدة القصيرة، كما أن الحركة الاحتجاجية ما زالت غير منظمة وغير قادرة على إنتاج كيانات سياسية قادرة على منافسة أحزاب وهياكل سياسية منظمة ومتمرسة منذ عقود من الزمان. هذا ما يقودنا للكلام عن المادة 7 و8 والتي تفتقر لأية آليات واضحة لتطبيقها من أجل تجسيد محتواها على أرض الواقع وهو الإقرار بأن الشعب هو مصدر السلطة. لكن بتنصيب بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد فهذا يعني أن السلطة الحقيقية هي بيد النظام الذي بدأ جاهدا في عملية إعادة إنتاجه من خلال دعوة الهيئة الانتخابية للانتخابات الرئاسية بتاريخ 4 يوليو 2019 ودعوة المترشحين لسحب استمارات الترشح، وهنا نلاحظ استبعاد المسار السياسي لمعالجة الأزمة التي تمر بها الجزائر هذه الأيام. ومنطقيا المسار السياسي هو النهج السليم لبداية مرحلة البناء للجمهورية الثانية والتخلص من النظام الفاسد. فالمسار السياسي هو الأمثل للاستجابة لمطالب الحراك وتطبيق المادة 7 و8 على أرض الواقع. المسار السياسي الذي يطالب به الشارع يهدف إلى تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي وليس مجرد تغيير بوتفليقة ببن صالح، فالخروج من الأزمة والانتقال الديمقراطي السلس والهادئ والمنهجي والمنظم تشرف عليه هيئة وطنية مستقلة بإدارة وإشراف شخصيات مستقلة تحظى بقبول وإجماع وطني ويتطلب هذا المسار تعاوناً وحواراً بين قوى المعارضة والحراك من جهة، وأطراف من النظام نزيهة ومعروفة بالكفاءة والمسؤولية من جهة أخرى للشروع في عملية التحول الديمقراطي السلمي ومن دون ذلك، قد ينفرد الجيش بالسلطة، خصوصاً إذا نشأت مرحلة فراغ تشعر فيها المؤسسة العسكرية بأنها صاحبة القرار الأول في البلاد بعد أن تمكنت من حسم الصراع ضد تحالف الرئاسة - مع المخابرات. طريق التخلص من النظام الفاسد في الجزائر ما زال طويلا ويحتاج إلى عمل ومثابرة ورؤية وإستراتيجية، فالقوى المخلصة والنظيفة يجب أن تعي أن الحراك بحاجة إلى تنظيم وتأطير وبحاجة إلى عدد من الشخصيات التي برزت في المرحلة الأخيرة لتجتمع وتنتخب هيئة وطنية مستقلة للإشراف على المرحلة الانتقالية، فالإسراع بتنظيم الانتخابات كما اقترح بن صالح لا يوفر الوقت الكافي لتحضير قانون انتخابات جديد ولا هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات ولا رئيس مجلس دستور نزيه و"نظيف" وليس واحدا من العصابة على قول القائد صالح. تحديات كبيرة في انتظار الحراك والطبقة السياسية التي تريد الخير للبلاد وتأسيس الجمهورية الثانية. [email protected]