18 سبتمبر 2025

تسجيل

قبل أن تبدأ بتغـيير العالم..

13 أبريل 2017

التغيير سنة كونية، تقع لأي أمر وضع الله فيه قابلية التغيير. والكون من حولنا فيه من الأشياء القابلة للتغيير، ما لا يمكن حصرها.. وقد تحدث عملية التغيير تلقائياً وبطريقة طبيعية تدريجية، أو تحدث بفعل مؤثرات ومنشطات لتسريعها وتفعيلها.أي أحد منا وفي لحظات تأمل معينة، لابد أنه فكر يوماً في تغيير بيئته أو مجتمعه أو ربما العالم كله! لكن القليل من يفكر بطريقة أكثر دقة وتركيزاً، فيبدأ بنفسه مثلاً ثم إذا انتهى من تغيير نفسه للصورة التي يطمح الى أن يرى نفسه بها، يبدأ بمن حوله ثم الذي يلونهم، وهكذا يتوسع في التغيير إلى ما شاء الله له أن يكون.يُحكى أن ملكاً كان يحكم دولة ممتدة الأطراف، وأراد يوماً القيام برحلة برية طويلة في ربوع مملكته.. وخلال الرحلة الطويلة تلك، وجد أن أقدامه قد تورمت بسبب المشي الطويل في الطرق الوعرة، فأصدر مرسوماً يقضي بتغطية كل شوارع المملكة بالجلد! لكن أحد المستشارين الصادقين حوله، أشار عليه برأي آخر، وهو صناعة قطعة جلد صغيرة تكون تحت قدمي الملك فقط. فأعجبته الفكرة وأمر بتنفيذها، وكانت تلك بداية صناعة الأحذية — أعزكم الله.الشاهد من القصة أنه إذا ما أردت أن تعيش سعيداً في هذه الحياة، فلا تحاول تغيير كل الحياة أو كل العالم أولاً. بل ابدأ مشروع التغيير في نفسك بادئ ذي بدء، وابذل جهدك فيه. ثم حاول بعد ذلك تغيير ما حولك، أو الحياة أو حتى العالم بقدر ما تستطيع.هذه حقيقة غاية في الأهمية وقلما ندركها ونحن نسير في مشاريع التغيير المتنوعة هنا وهناك، بل تغيب تماماً بقدرة قادر، حين يكون أحدنا صاحب القرار أو يكون متمكناً في موقعه، سواء كان حاكماً أو رئيساً أو وزيراً أو غير ذلك من مناصب ومهام رفيعة الشأن. تجده يقر مشروع التغيير فوراً من فرط حماسته، دون التنبه إلى أن المسألة ليست كامنة في إصدار قوانين وتشريعات، بل هي قناعات أولاً، ومن ثم خطوات صغيرة فاعلة ثانياً ضمن محيط صغير سهل السيطرة عليه، ومن ثم يبدأ التوسع شيئاً فشيئا. إن أردت أن يلتزم موظفوك مثلاً بالتعليمات والأنظمة والقوانين، فلتكن أنت من أكثر الناس التزاماً في السر والعلن.. وإن أردت أن تصلح أولادك وتحثهم على فعل الخيرات وترك المنكرات وغيرها من أعمال صالحة راقية نافعة في الدنيا والآخرة، فلتكن أنت ممن اعتادوا عليها ومارسوها قولاً وفعلاً.. وهكذا مع بقية الأمور الحياتية الأخرى. لا يمكنك أن تغير الآخرين ما لم تكن أنت نفسك قد تغيرت فعلاً. إنك حين تدعو للتغيير وأنت قد مارسته ونجحت فيه، فإن المصداقية عالية جداً ساعتئذ، وثقة الناس تزداد بك، وبالضرورة ستكون إرشاداتك وآراؤك محل قبول ثم تنفيذ.. والعكس صحيح لا شك فيه.في عالم الأعمال، نلاحظ في كثير من مؤسسات العمل أن عللاً كثيرة تظهر في وقت ما لسبب أو آخر، فيتم اللجوء إلى تفعيل قانون التغيير بصورة وأخرى، سواء في القوانين والأنظمة أو حتى البشر أنفسهم.بالطبع ليست عملية التغيير سهلة كما أسلفنا، وإن كانت ليست بالمستحيلة كذلك.. ولكن حتى تكون العملية التغييرية مؤثرة في عالم الأعمال، هناك جملة أمور لابد من مراعاتها والأخذ بها.. منها أن تكون العملية مقنعة، سواء لقيادة المؤسسة المراد إحداث التغيير بها أو للعاملين فيها. وأن يكون لهذه العملية قائد ذو مواصفات وقدرات يمكنه بها إحداث التغيير المطلوب. لابد كذلك من وجود قوة بشرية تساند القائد الجديد في عملية التغيير، سواء كانت متمثلة في أفراد مؤثرين وأصحاب قرار في المؤسسة، أو قوة منبثقة من القاعدة الشعبية الكبيرة العامة بالمؤسسة.. بمعنى آخر، يجب أن تكون هناك رغبة مشتركة ما بين جزء من القيادة وجزء من القاعدة، يعضد كل منهما الآخر ويكونان مع قائد التغيير قلباً وقالباً.لكن مع ذلك، هناك دوماً حجر عثرة في طريق التغيير، وذاك الحجر متمثل فيما نسميهم بفئة المقاومة، التي تقعد لعناصر التغيير كل مرصد. ولا يجب أن نندهش لهذا الأمر باعتباره حدثا طبيعيا في أي عملية تغييرية، وذلك لجملة أسباب.. منها شعور أفراد تلك الفئة بفقدان مصالحها عما قريب، أو الرغبة في البقاء بدائرة الضوء بأي صورة ممكنة، الأمر الذي يستدعي منها القيام بالمقاومة، بشكل وآخر..خلاصة الأمر وما فيه، أن التغيير أمر مطلوب دوماً في حياتنا، وأنه آلية من آليات الإصلاح من أجل البقاء، سواء قمنا بها بأنفسنا، أو جاء التغيير من خارج دوائرنا التي نعيشها.. وهذا أمرٌ يحتاج لبعض تأمل وتفكير، دونما حاجة لكثير شرح وتفسير.