12 سبتمبر 2025
تسجيلالزيارة التاريخية التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز –ملك المملكة العربية السعودية- لمصر تكللت باتفاقيات تؤكد عمق العلاقة بين أهم بلدين عربيين قوة ومكانة بالمنطقة، وهي انعكاس حقيقي لأهمية الدور الذي تلعباه بقيادة العرب والتصدي لمخاطر الحروب والإرهاب والتقسيم الذي يتحقق فعليا ببلاد الشام والعراق، ناهيك عن المد الطائفي الذي ترعاه إيران وتغذيه كوسيلة لهيمنتها على المنطقة وذريعة لتدخلها بالشئون العربية.فإلى جانب المشاريع المليارية الهائلة وجسر الملك سلمان الذي سيربط بين قارتي آسيا وإفريقيا، فقد وقع البلدان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بينهما بما يعيد السيادة السعودية على جزيرتي صنافر وتيران، وهي اتفاقية تمت بعد مشاورات هادئة استمرت سنينا بعيدا عن الإعلام وأعين المتربصين، ولعل أهم رسالة وجهتها الاتفاقية أن أكبر دولتين عربيتين قادرتين على حل أي إشكالية بينهما بشكل حضاري وأخوي دون الحاجة لتدخل أجنبي، وللمراقب أن يتخيل بقاء خلاف على جزيرتين صخريتين صغيرتين وسط الحديث عن مشاريع هائلة للتعاون على كافة الأصعدة، هل كان يمكن أن يصدق أحد بتحقيق وإنجاز وجدوى تلك المشاريع بين بلدين لم يستطيعا حل مسألة بسيطة مثل مسألة جزيرتي صنافر وتيران؟ الاتفاق بحد ذاته يعكس حجم الدولتين المهمتين وشعور قيادتيهما بعبء المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهما. ولعل في الاتفاق المصري -السعودي مناسبة ودرسا لنا كعرب في حل مشكلة الصحراء المغربية التي طال انتظارها، فبعد نضال مغربي ومطالبات مغربية بامتدادها الصحراوي، انسحبت إسبانيا منها عام 1975، وكان من المفترض والطبيعي أن تعود الصحراء لحاضنتها الطبيعية كامتداد لأراضي المغرب، ولكن الجزائر -ولأسباب يطول شرحها- خلقت جبهة البوليساريو ومدتها بالسلاح واستضافت قادتها ولا تزال، وتصر على استقلالها وانفصالها عن المغرب بذرائع وحجج ما أنزل الله بها من سلطان، واستمر الاقتتال واستنزاف البلدين طيلة أربعين عاما، وتدخلت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والشرق والغرب دون فائدة، وتقدمت المغرب بأكثر من مشروع سلام لإنهاء الخلاف من بينها وأشهرها مبادرة ملك المغرب –محمد السادس- بالحكم الذاتي تحت السيادة المغربية عام 2007، والتي رفضتها الجزائر -أقصد البوليساريو– مطالبة بالاستقلال التام عن المغرب. هذه هي قناعة كاتب هذا المقال والتي يشاركه بها كثير من متابعي هذه المسألة بدول الخليج، وبغض النظر عن كيف ستؤول الأمور فمن المخجل أن يستمر هذا الصراع بين أهم بلدين عربيين بالمغرب العربي أربعة عقود: المغرب والجزائر، فاستمرار هذا الصراع طيلة هذه المدة سيكون حصان طروادة القادم لإشعال الفتن والحروب بينهما في وقت أنهكتنا فيه الصراعات والاقتتال الذي نشعله بأيدينا دون منطق مفهوم أو مبرر معقول. الأمل أن ترسل مصر والسعودية فريقيهما الحضاريين اللذين حسما مداولات تعيين الحدود البحرية بينهما للصحراء المغربية، وإنهاء هذا الموضوع مرة وإلى الأبد قبل فوات الأوان، فعلينا معالجة هذا الجرح النازف بأيدينا، وتناوله بروح المسؤولية التاريخية وحل هذه الإشكالية التي ما كان لها من وجود لولا الدور الجزائري الذي يبقي على استمرارها لأسباب واهمة وواهية في الوقت نفسه. قدم لنا الاتفاق المصري - السعودي حول صنافر وتيران درسا مهما ومفخرة عربية تثبت لنا أننا قادرون على حل مشاكلنا وخلافاتنا داخل البيت العربي إذا ما توافرت الإرادة الصادقة، وروح المسؤولية بإدراك هول الخطوب المحيطة والأخطار المحدقة بالأمة جميعا.