16 سبتمبر 2025
تسجيلمعطيات سياسية عديدة قد تبدو غير متقاطعة ولا رابط بينها، بيد أن الناظر بعين التحليل قد يجد فيها عكس ذلك تماما.. زيارة سمو أمير دولة قطر إلى إثيوبيا الأسبوع الماضي وتوقيع (3) اتفاقيات تعاون و(3) مذكرات تفاهم.. زيارة وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري إلى مشاريع السدود في السودان قادماً من إثيوبيا مباشرة.. جمود في علاقات دول حوض النيل بعد توقيع اتفاقية (عنتبي) لإعادة تقسيم مياه النيل وتوجس مصري- سوداني فضلا عن مضي إثيوبيا قدما في بناء سد الألفية المثير للجدل.. مسار دبلوماسية قطري جديد حوّل قطر خلال أكثر من (10) من بلد يسعى إلى تثبيت أقدامه على الساحة الدولية، إلى بلد يقوم بدور ريادي غير مسبوق على الصعيدين الإقليمي والدولي. السؤال الذي يفرض نفسه: هل تقوم قطر بدور ما في دعم فرص السلام في ربوع إفريقيا واعتماد الوسائل السلمية لحل النزاعات، خاصة نزاع دول حوض النيل؟. من قبل حركت قطر دبلوماسيتها بشكل مؤثر ووظفتها لخدمة قضايا فلسطين والعراق ولبنان والسودان ومشاكل القرن الإفريقي، والملف النووي الإيراني، بل إنه قبل ذلك التزمت قطر بمبدأ الحلول السلمية في طي خلافها الحدودي مع جارتها البحرين وتمكنت من تسويته بشكل حضاري عن طريق المفاوضات.. في لبنان قامت قطر بدور كبير في الحد من تداعيات الحرب الإسرائيلية على لبنان (حرب يوليو 2006)، بل لم تكتف بالجهود الدبلوماسية والسياسية حيث ظلت تبذل جهوداً إنسانية، وتقدم مساعداتٍ مالية وعينية حين قررت إعادة بناء مدينة بنت جبيل في لبنان بعدما تعرضت لدمارٍ واسع من قبل القوات الإسرائيلية.. نعم؛ لقد حجزت قطر مساحة مميزة على المسرح الدولي، وأظهرت سياسة خارجية معتدلة وديناميكية في الوقت نفسه مما مكنها من التعاطي السلس مع قضايا إقليمية ودولية معقدة.. دبلوماسية براغماتية، قامت على تفضيل لغة الحوار، واحترام الشرعية الدولية. قطر تعلم أن لإثيوبيا دورا مفتاحيا في القضايا الإفريقية؛ فهي مقر الاتحاد الإفريقي الذي كان وسيطا مهما أسهم في نجاح قطر في حل قضية دارفور، وإثيوبيا كذلك واحدة من أهم دول حوض النيل خاصة بالنسبة لمصر إذ يشكل النيل الأزرق الذي ينبع من الهضبة الإثيوبية (85%) من المياه الواردة إلى مصر.. تعضيد علاقات الدوحة بأديس أبابا يمهد الطريق للدبلوماسية القطرية للوصول إلى العرين الإفريقي ومن ثمّ القيام بدور ريادي في إرساء السلام والاستقرار في منطقة حوض النيل. اتفاقية عنتبي لدول حوض النيل الموقعة في يوليو 2007 في ظل ممانعة مصر والسودان، تفتح باب تقاسم مياه النيل على مصراعيه ومصر تقول إن إسرائيل أعلنت الحرب عليها من خلال الضغط على جيرانها من دول الحوض، ودفعها لزيادة مطالبها تجاه مصر حول إعادة توزيع مياه النيل.. لقد ظلت مصر ومنذ عهد الخديوي تحدّث خطة عسكرية كل سنة هدفها التدخل إذا ما أضيرت مصالحها في مياه النيل، فالأمر عندها جدُّ خطير والمساس بحصتها في مياه النيل يعقبه شرٌّ مُستطير.. قطر بعلاقاتها مع مصر الثورة والسودان فضلا عن تأثيرها المتنامي في إفريقيا عبر البوابتين الإثيوبية والإريترية قادرة على إطلاق مبادرة سياسية برغماتية سلمية تنزع فتيل قنبلة (اتفاقية عنتبي) الموقوتة.. يشار إلى أن السودان ومصر اللذين يعارضان الاتفاقية القنبلة يؤكدان ملكيتهما أن لهما حقوقا تاريخية في النيل بموجب اتفاق تقاسم مياه النهر الذي تم توقيعه في العام 1929 بين مصر وبريطانيا وتمت مراجعته عام 1959.. الاتفاق يمنح مصر حصة قدرها (55.5) مليار متر مكعب من المياه سنويا بينما يبلغ نصيب السودان (18.5) مليار متر مكعب من مياه النيل البالغة (84) مليار متر مكعب سنويا، أي أن البلدين يحصلان على حوالي (87%) من مياه النهر.. وتمتلك مصر بموجب هذه الاتفاقية كذلك حق النقض فيما يتعلق بأي أعمال أو إنشاءات يمكن أن تؤثر على حصتها من مياه النهر مثل السدود والمنشآت الصناعية اللازمة للري. ووفقا للإحصاءات الرسمية فإن احتياجات مصر المائية ستزيد عن مواردها في عام 2017.. وتقول أوغندا التي احتضنت اتفاقية عنتبي إنها تتفهم مخاوف مصر بشأن أمن المياه لكنها تعارض إصرارها على الاحتفاظ بحق الاعتراض وفقاً لما نصت عليه الاتفاقيات الاستعمارية في إشار للاتفاقيات التي تتمسك بها كل من مصر والسودان.