13 سبتمبر 2025
تسجيليُعرف محمد عاكف بشاعر النشيد الوطني التركي، ولكن حياته شهدت تطورات كبيرة في نهاية الإمبراطورية العثمانية وبداية الجمهورية الجديدة. وُلد في إسطنبول عام 1873 من أب من أصل ألباني وأم تركية. كان والده من معلمي المدرسة في جامع الفاتح وعلمه اللغة العربية في سن مبكرة. في المدرسة الثانوية، أتقن اللغة الفارسية والفرنسية أيضًا. وكانت عائلته مقربة من الدوائر الفكرية في إسطنبول. توفي والد عاكف في عام 1888 عندما كان عمره 15 عامًا فقط. في السنة التالية، دمر حريق واسع منزلهم في منطقة الفاتح، مما أدى إلى دفعهم إلى الفقر. بسبب حاجته إلى كسب لقمة عيشه اضطُر عاكف إلى تغيير مسار تعليمه من خلال اختياره لمجال البيطرة، في نفس الوقت كان يمارس بشغف رياضات مثل المصارعة والجري والسباحة وبدأ يشعر بالاهتمام بالشعر والفنون. بدأت قصائده في الظهور في المجلات الفنية الرئيسية لتلك الفترة، مثل «ثروت فنون». وفيما بعد، أصبح مدرسًا للأدب في نفس المدرسة. محمد عاكف نشأ في فترة صعبة من الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا في عام 1878، حيث هاجر ملايين اللاجئين من البلقان والقوقاز إلى إسطنبول وأناضول والمناطق العربية. شهد بنفسه الكثير من المعاناة، مما دفعه إلى التأمل في حلول وضع الأمة العثمانية. كما شاهد هزيمة كبيرة للدولة العثمانية في البلقان خلال سنوات 1912-1913، مما أدى إلى تفاقم مشكلة الهجرة والمعاناة في إسطنبول. ربما كانت هذه الفترة خاصةً مؤلمة بالنسبة له، لأن والده كان قادمًا من البلقان. خلال فترة عمله كطبيب بيطري، استغل محمد عاكف الفرصة للتجوال في مناطق مختلفة، بما في ذلك البلقان والأناضول، بالإضافة إلى شبه الجزيرة العربية. وقد أتاحت له هذه التجارب الشخصية فهمًا مباشرًا للوضع الصعب الذي كانت تمر به الدولة العثمانية. في هذه الفترة، قام بتدريس اللغة العربية في فرع شاه زاده باشي التابع للاتحاد والترقي. كما انضم إلى جمعية (رابطة الدفاع الوطني)، التي كانت تهدف إلى دعم الجيش العثماني والشعب الذين وقعوا تحت الاحتلال، بدءًا من ليبيا وصولاً إلى البلقان. وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، قام عاكف برحلة إلى مصر والحجاز استمرت لمدة شهرين. خلال الحرب العالمية الأولى، عمل محمد عاكف على كسب دعم العالم الإسلامي لصالح الإمبراطورية العثمانية. ذهب حتى إلى ألمانيا برفقة الشيخ صالح التونسي لإقناع السجناء المسلمين من روسيا وبريطانيا وفرنسا. وخلال الحرب، تم إرساله مرة أخرى إلى الحجاز للتواصل مع علماء العرب شيوخ القبائل العربية. هناك، علم بانتصار معركة جناق قلعة وكتب قصيدة ملحمية شهيرة أطلق عليها "لشهداء جناق قلعة". انضم محمد عاكف شخصياً إلى النضال من أجل الاستقلال بقيادة مصطفى كمال أتاتورك بعد الحرب العالمية الأولى. وكان هذا النضال ضد محتلي الأناضول، مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان. انتخب كعضو في برلمان أنقرة خلال الفترة من 1920 إلى 1922. وفي عام 2021، تم اختيار قصيدته «نشيد الأمة» (أو نشيد الاستقلال) من بين 700 قصيدة. وعلى الرغم من ذلك، رفض استلام المكافأة التي قدمت له، حيث أكد أنه لا يمكن كتابة النشيد الوطني مقابل المال، وقام بتبرع هذا المال للهلال الأحمر التركي.. بعد مقتل صديقه وزميله في البرلمان والسياسي المعارض علي شكري بك في أنقرة، شعر محمد عاكف بالضغوط التي يتعرض لها السياسيون الإسلاميون. قرر الابتعاد عن الساحة السياسية وبدأ يقضي فترات الشتاء في مصر كضيف للخديوي عباس حليم باشا في عام 1922. استقر في مصر بشكل دائم عام 1926 بعد وفاة والدته وبسبب خيبة أمله نتجت عن إلغاء الخلافة وسياسات التغريب الأخرى في تركيا. ويرجح أيضًا أنه نفي إلى مصر على يد مصطفى كمال أتاتورك. أمضى عاكف نحو عشر سنوات في مصر، حيث قام بتدريس اللغة التركية في جامعة الأزهر. عاد إلى اسطنبول لتلقي العلاج من تليف الكبد، لكنه لم يتمكن من التعافي وتوفي في نفس العام في مبنى مصر في بيوغلو ودُفن في مقبرة أديرنه-قابي. إلى جانب كتابته للنشيد الوطني، قام محمد عاكف بإنشاء مجموعة شهيرة من القصائد تحمل عنوان «صفحات»، وقام أيضًا بتأسيس مجلة دولية بارزة تحمل اسم «صراط المستقيم»، التي تحولت فيما بعد إلى «سبيل الرشاد». كما قام بترجمة القرآن إلى اللغة التركية. شهدت كتابات محمد عاكف في الحياة الفكرية تأثيرًا كبيرًا في تركيا اليوم، وسنستكشف تفاصيل آرائه الاجتماعية والفكرية في المقال القادم.