29 أكتوبر 2025

تسجيل

محمد حسنين هيكل بين الاحتراف في الصحافة والتناقض في الرأي!

13 مارس 2016

تحول هيكل من عاشق للعروبة إلى مهاجم شرس لدول الخليج رغم الكرم الخليجي الذي وصله منهم والأيام المقبلة ستكشف لنا تناقضاته في مذكراته وأوراقه الخاصةعرف بالتقرّب من قادة العرب وملوكهم وهم أحياء فمدح بعضهم وسكت عن البعض وعندما رحلوا انتقدهم مثل الحسن الثاني والقذافي والشاه وغيرهمقبيل وفاة محمد حسنين هيكل (1923 — 2016) بفترة قصيرة جدا تحول هذا الصحفي الشهير على الساحة العربية من شخصية تعشق شيوع السلام والوئام بين جميع البلدان العربية واعادة امجاد العروبية والوحدة بينها إلى شخصية تثير العديد من التساؤلات المشروعة، لأن هجومه الاخير على دول الخليج العربي كان مثار جدل بين ابناء العروبة، ثم ما هي الدوافع التي حولته بين يوم وليلة إلى كل هذا الهجوم الشرس على الخليج بدون اية مقدمات؟ وقد يسأل سائل: هل هناك اي اصابع خفية تقف وراء تغيير وجهة نظر هذه الشخصية وقبيل رحيله بوقت قصير؟ ثم ما هي الدروس المستفادة — إنْ صح التعبير — من تحول هذه الشخصية الصحفية المثيرة للجدل من صحفي محترف إلى صحفي منحرف؟!. وهنا نطرح بعض التساؤلات!!.يمكن تقسيم حياة محمد حسنين هيكل إلى مرحلتين مهمتين في حياته الصحفية والفكرية، فالمرحلة الاولى تقوم على الاحتراف في عمله المهني، والمرحلة الثانية تقوم على "الانحراف" عن مسارها الصحيح من خلال كيل التهم والتقليل من بعض البلدان العربية ومنها دول الخليج العربي على وجه الخصوص وهي الدول التي قدمت له ولحكومته الدعم المادي واللوجستي وبخاصة لرؤساء مصر على مدى عقود امتدت منذ الاربعينيات وحتى وفاته بالأمس.** هيكل الصحفي المحترف:عاش هيكل كشخصية إعلامية برز دورها في مجال الصحافة وتفوق على الكثير من رواد عصره، فلمع نجمه منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى وفاته، حيث عاصر حقبة زعيم الامة العربية جمال عبدالناصر وصولا إلى عصر السيسي، وكانت خلال تسعة عقود من الزمن، فنال لقب "عميد الصحافة العربية"، بجانب عمله كوزير للإعلام المصري. لكنه عرف كأحد أبرز الصحفيين المصريين واشهرهم على الاطلاق خلال القرن العشرين، وله مساهمة كبيرة في صياغة السياسة المصرية منذ عهد الملك فاروق، فقد تولى العديد من المناصب القيادية في حياته الاعلامية، منها: رئيس تحرير صحيفة الاهرام القاهرية عام 1957م، رغم ان بداياته الاولى في الاشتغال بالصحافة بدأت منذ سنة 1943م، واذا تتبعنا مشوار حياته فسنجد انه تبوأ الكثير من المناصب القيادية الاخرى واصدر عشرات الكتب والدراسات الاعلامية التي خلدت ذكراه. واشتهر هيكل بزاويته الشهيرة "بصراحة" التي بدأها بصحيفة الاهرام القاهرية سنة 1957م. ورأس هيكل مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم (الجريدة والمؤسسة الصحفية) وكذلك (مجلة روز اليوسف) في فترة الستينيات. وساهم هيكل في تأسيس مجموعة من المراكز المتخصصة للأهرام مثل: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مركز الدراسات الصحفية، مركز توثيق تاريخ مصر المعاصر. وبعد ان اصدر سنة 1951م كتابه "إيران فوق بركان"، استطاع سنة 1952م ملازمة الزعيم جمال عبدالناصر، وبعد مرور ست سنوات وتحديدا سنة 1958م اصدر كتابه الشهير "العُقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط". وفي سنة 1961م صدر له كتاب "نظرة إلى مشاكلنا الداخلية على ضوء ما يسمونه: أزمة المثقفين". وفي حقبة الستينيات صدرت له بعض المؤلفات الاخرى مثل: ما الذي جرى في سوريا، خبايا السويس، الاستعمار لعبته الملك. وفي السبعينيات صدرت بعض الكتب المهمة الاخرى مثل: عبدالناصر السجل بالصور، وثائق عبدالناصر: أحاديث — تصريحات، لمصر لا لعبدالناصر، قصة السويس آخر المعارك في عصر العمالقة: والحل والحرب، حديث المبادرة، حكاية العرب والسوفييت. اما في الثمانينيات فصدرت له بعض الكتب مثل: السلام المستحيل والديمقراطية الغائبة، آفاق الثمانينيات بعد رحلة إلى الغرب، مدافع آية الله — قصة إيران والثورة، خريف الغضب: قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات، حرب أكتوبر، حرب الثلاثين سنة، سنوات الغليان، أحاديث في العاصفة. وفي سنة 1990م صدر له "الزلزال السوفييتي". ومن مؤلفاته الاخرى: اتفاق غزة، أقباط مصر ليسوا أقلية، مصر والقرن الواحد والعشرون، أزمة العرب ومستقبلهم، المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، الخليج العربي.. مكشوف تداعيات تفجيرات نووية في شبه القارة الهندية، كلام في السياسة، بصراحة: أكثر من 700 مقال من يناير 1957 — يونيو 1990 (5 مجلدات)، الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق، استئذان في الانصراف رجاء ودعاء. كما صدرت له كتب اخرى باللغة الانجليزية. وكتب هيكل ايضا مقدمات لكتب الاخرين. كما كتب عنه الكثير من المفكرين في عصره.** وبعد كل هذا المشوار الحافل:قد تكون فترة الانحراف في الرأي عبر حياة هيكل — إنْ صح التعبير — من المراحل المهمة في رحلته الصحفية من خلال عدم التزامه بالمهنية العالية التي كان ينشدها طوال حياته والتي كان يتمتع بها في فترة عمله، ومن تلك الآراء حديثه دائما عن العروبة والوحدة العربية، حيث تنازل عن هذا المبدأ وتهجم خلال الفترة القصيرة الماضية وقبل وفاته بعدة اشهر على دول الخليج العربي بكلام غير مبرر ولا يقوم على المنطق وسرد الحقائق. فمن غير اللائق ان يتهجم على دول الخليج بعبارات عنصرية وساذجة ومبتذلة كقوله: بأن دول الخليج متخلفة، وان انظمتها غير دائمة للبقاء، وكانه يقرأ المستقبل بحسب رؤيته التي تخدم اعداء الخليج اليوم دون تقديم اية دلائل أو حقاق أو براهين أو مصداقية تشير إلى صحة كلامه الذي جاء مع سنوات الخرف في أرذل العمر!!.يقول عنه الأستاذ أحمد علي صاحب زاوية "كلمة صدق": لا تعجبني مواقف «هيكل» السياسية، التي يرى كثيرون أنها كانت تتسم بالفوقية وتتميز بالاستعلائية، بل وتصل إلى «الاستعدائية» ضد دول الخليج.. ورغم أنه لم يستوعب من وجهة نظري متغيرات الحاضر في منطقتنا الخليجية، حيث اختار لنفسه أن يظل حبيساً في مرحلة الخمسينيات من القرن الماضي، ولم يغادرها، ليعاصر التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية التي تشهدها حواضر الخليج العربي.. ورغم أنه كان يجسد «صوت الماضي» الذي تعوّد على مهاجمة دول الخليج، والانتقاص من شأنها، والتقليل من شؤونها، ووصفها بأنها تتصرف بطريقة «متخلفة»، انطلاقاً من إيمانه بتقسيم العالم العربي إلى دول «رجعية» وأخرى «تقدمية»، وهي الفكرة السائدة التي كانت تشكل استراتيجية التعامل مع الشعوب العربية وأنظمتها الحاكمة، خلال عصور عربية بائدة. ورغم أنه واجه صعوبة بالغة خلال سنوات عمره التي امتدت إلى 9 عقود في استيعاب مستجدات المنطقة، وفهم واقعها، وتحليل وقائعها، وتطوراتها السياسية، ولهذا لم يعترف بالقفزة الحضارية الهائلة التي دفعت «خليجنا العربي» إلى مركز الصدارة، ليكون الأكثر تأثيرا في «الحدث العربي»، والأكثـر حضوراً في "المشهد العربي".ويقول عنه البعض الآخر:محمد حسنين هيكل صحافي مصري كبير، عاش قريبا من الأحداث ومن الصحافة ما يزد عن 70 سنة، لكنه لم يتخل عن عادة التقرب من قادة الدول وملوكها، ما داموا على قيد الحياة، فهو يمدح بعضهم ويسكت عن البعض الآخر. لكن عندما ينتقلون إلى دار البقاء، يكتب عنهم ما رأى، وما لم ير. فعل هذا مع الحسن الثاني، ومع القذافي، ومع الشاه، ومع غيرهم.** في الختام:تبقى "مذكرات هيكل وأوراقه الخاصة" غير المنشورة والمنتظر نشرها بعد رحيله هي اللغز الشائك في حديث الصحافة القادم، لأنها وبكل تأكيد ستكون لاذعة ضد اغلب البلدان العربية، وقد يكون منها ما يتعلق بالأوضاع الحالية في مصر التي عاشر هيكل أواخر لحظاتها بحلوها ومرها قبل الوداع.. والسنوات القادمة ستكشف لنا الكثير من المفاجآت، فلننتظر ولا نستبق الاحداث!!.. وهذا ما حدث مع مذكرات مطرب الملوك والأمراء الموسيقار "محمد عبدالوهاب" بعد رحيله عندما نشرت اوراقه الخاصة وفيها تهجم صريح على زعيم الامة العربية "جمال عبدالناصر"!!.** كلمة أخيرة:الاحتراف في المهنة سمة تميز الشخص المحترف عن غير المحترف، خاصة عندما ينحرف الصحفي عن هذا المسار ويقدم بعض التنازلات والتناقضات لتحقيق بعض المآرب الشخصية التي لا تخدم المهنة.