13 سبتمبر 2025

تسجيل

الانفلاق الكبير في «حزب نداء تونس»

13 مارس 2015

في الآونة الأخيرة كثرت المناظرات التلفزيونية في أهم القنوات التونسية التي تناقش أزمة الحزب الحاكم من جوانبها المختلفة، وهي حالة تعكس جو الحرية الإعلامية والسياسية الذي أصبح سائداً في البلاد، بيد أن هذا التناول غالباً لا يتطرق بصورة معمقة إلى الجذور الحقيقة لهذه الأزمة، والتي نراها من وجهة نظرنا، تتلخص في المسائل التالية: أولاً، أزمة قيادة: يضم حزب «نداء تونس» نقابيين ويساريين ومنتمين سابقين إلى حزب «التجمع الدستوري الديمقراطي» الحاكم في عهد ابن علي الذي حكم تونس بين 1987 و2011، لكن «حزب نداء تونس» يتجسد في شخص زعيمه الباجي قائد السبسي، الذي يدافع عن مدرسة البورقيبة الدستورية، ويسير على خطاها، وإن كان يريد أن يضفي الطابع الديمقراطي على البورقيبية الذي كان مفقودا في عهد الزعيم الراحل. وفي هذا السياق تأسس حزب «نداء تونس» في شهر يونيو 2012، وهو حامل لأيديولوجية علمانية تؤمن بفصل الدين عن السلطة، وببناء مجتمع مدني متطور يسوده العلم والثقافة. وفي نطاق إستراتيجية الباجي قائد السبسي الذي كان يسعى إلى استعادة الماكينة القديمة للتجمعيين –الدساترة، الذين يمتلكون خبرة حزبية وانتخابية عريقة، ولديهم جذور عميقة في تربة المجتمع التونسي، وسعيا منه للفوز في الانتخابات، عمل الباجي قائد السبسي بخلق هيكل جديد أطلق عليه اسم المجلس الوطني يضم 450 عضواً، من بينهم أعضاء الهيئة التأسيسية، وأعضاء المكتب التنفيذي، والمضافون لاحقا، من بينهم السيد محمد الناصر الذي التحق بحزب النداء بعد تشكيل حكومة السيد مهدي جمعة في بداية سنة 2014. كما تمت إضافة عديد من الأسماء لهذا الهيكل بمناسبة إعداد قائمات الانتخابات النيابية في شهر أغسطس 2014، والتي أشرف عليها نجل رئيس الحزب، السيد حافظ قائد السبسي. وكان واضحا منذ ذلك الوقت، أن الزعيم التاريخي للحزب، يريد للتجمعيين أن يهيمنوا على الحزب، وأن يكون ابنه الماسك القوي بمسألة الهياكل التنظيمية للحزب، لاسيَّما وهو الذي يشرف مباشرة على هياكل 24 تنسيقية مناطقية (جهوية) بعدد محافظات (ولايات) تونس لكي يكون الوريث الشرعي لزعامته في الحزبن ولا يزال السيد حافظ السبسي الرئيس الفعلي لهذه الهيكلية الحزبية، التي يعود الفضل لها في فوز « حزب نداء تونس» بالانتخابات الأخيرة، وإليها يعود الفضل في اكتساحه للخارطة الانتخابية. وبعد أن أصبح الحزب في قبة البرلمان المنتخب بنحو 86 نائباً، وأصبح رئيسه السيد محمد الناصر، وهو من حزب «نداء تونس»، اتخذ الزعيم التاريخي للحزب السيد الباجي قائدالسبسي قرارا بأن يصبح السيد محمد الناصر الرئيس المؤقت للحزب، وكل من ابنه حافظ قائد السبسي، المشرف على الهيكلية بالحزب، وفاضل عمران رئيس كتلة نداء تونس بمجلس نواب الشعب، أعضاء داخل الهيئة التأسيسية للحزب، التي أصبحت بهذه الإضافة تضم 14 عضواً. وتمت التزكية للقرار من قبل جميع الأعضاء باستثناء الطيب البكوش الذي رفض الإمضاء. وكان الناطق الرسمي للحزب السيد الأزهر العكرمي صرّح للصحافة التونسية بأنه تم رفض إضافة كل من حافظ قائد السبسي ومحمد الناصر وفاضل عمران إلى الهيئة التأسيسية لنداء تونس، باعتبارها الهيئة التي تمثل الشرعية التاريخية للحزب، نظرا لغياب إمضاء الأمين العام الطيب البكوش على وثيقة الإضافة للهيئة التأسيسية، حيث إن القانون المنظم للأحزاب في فصله الثاني يشترط الإجماع في إضافة عضو أو أكثر. وبما أن الطيب البكوش لم يمض على الوثيقة المذكورة ولم يوافق على الإضافة فإن وجود قائد السبسي الابن ونائب رئيس الحزب ورئيس الكتلة النيابية للنداء هي مسألة غير شرعية وغير قانونية وهو ما سيعيد الهيئة التأسيسية إلى تركيبتها الأصلية دون زيادة أو نقصان، المتكونة في الوقت الحاضر من 11 عضواً. ثانياً، أزمة التوريث: بدأت معركة التوريث في زعامة الحزب وبرزت بشكل حقيقي في العام الماضي زمن التهيئة للقائمات الانتخابية، فمن الناحية السياسية نجد أن «الدساترة التجمعيين» الذين تمت إزاحتهم من الحكم في 2011، عملوا في الانتخابات الأخيرة بتسمياتهم المختلفة جاهدين من أجل استعادة الكرسي وجرى في أوساطهم سعي محموم إلى إعادة التشكل والانتظام من أجل العودة للحكم من جديد أو المشاركة فيه، عبر «حزب نداء تونس». وكان «التجمعيون –الدساترة» في غالبيتهم، إضافة إلى رجال الأعمال الممولين الحقيقيين لـ«حزب نداء تونس»، يقفون إلى جانب السيد حافظ قائد السبسي لكي يكون الزعيم المستقبلي للحزب، وهو ما فجر الصراع بين أعضاء من الهيئة التأسيسية أمثال رضا بلحاج والأزهر العكرمي ومحسن مرزوق والشق العائلي، حيث لم يحظ حافظ قائد السبسي بأي نصيب يذكر من نواب مجلس الشعب، وخرج من المعركة من دون مواقع. لكن الصراع على زعامة الحزب تواصل مع تشكيل حكومة الحبيب الصيد، إذ طالب السيد حافظ الباجي قائد السبسي الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة السيد الحبيب الصيد، بتوزير 11 عضواً من أنصاره، وحين جوبه طلبه بالرفض، صرح لصحيفة الشروق التونسية بتاريخ 14 فبراير 2015 أن «حزب نداء تونس» خرج بخفي حنين من الحكومة، في حين أنه –حافظ- دافع عن حصة أوفر لحزبه في صلبها. كما هاجم السيد حافظ قائد السبسي الهيئة التأسيسية التي وصفها بالأقلية داخل الحزب، متهما إياها بالسعي لإقصاء «التجمعيين –الدساترة». من وجهة نظر السيد حافظ قائد السبسي، الوزراء الذين أصبحوا في تشكيلة حكومة السيد الحبيب الصيد، ينتمون جميعا إلى الهيئة التأسيسية، وهم بذلك يشكلون أقلية تريد الهيمنة على «حزب النداء»، في حين أن نجاح الحزب في الانتخابات التشريعية والرئاسية يعود الفضل له إلى نشاط الهياكل الجهوية (المناطقية) في الولايات (المحافظات)، وبطبيعة الحال إلى الماكينة الحزبية للتجمعيين-الدساترة، التي بات يشرف عليها حافط قائد السبسي. ولم يقف الصراع عند هذا الحد، بل إنه تفجر بين الهيئة التأسيسية والشق العائلي المستند إلى «التجمعيين-الدسارة» ورجال الأعمال داخل الحزب، في معركة المكتب السياسي للحزب.في آخر منشور للحزب وزع علانية، تم الاتفاق على تركيبة المكتب السياسي على النحو التالي، إذ يتألف من 30 عضواً: أعضاء الهيئة التأسيسية الـ11 بعد استقالة الباجي قائد السبسي بعد أن تولى رئاسة الجمهورية، و8 أعضاء ينتخبون من الكتلة البرلمانية لـ«حزب النداء»، و8أعضاء ينتخبون من الهيئة التنفيذية، إضافة إلى الأعضاء الثلاثة الذين التحقوا بالهيئة التأسيسية بقرار من الرئيس، وهم كل من محمد الناصر رئيس مجلس النواب، وفاضل عمران، رئيس الكتلة النيابية للحزب، وحافظ قائد السبسي رئيس الإدارة المركزية للهياكل للحزب. وفي اجتماع الهيئة التأسيسية لـ«حزب النداء»الذي حصل يوم الثلاثاء 10مارس 2015، أصدرت هذه الأخيرة بياناً وردت فيه جملة القرارات التي وقع اتخاذها ومن بينها توسيع تركيبة الهيئة التأسيسية بإلحاق ثلاثة أعضاء وهم محمد الناصر رئيس الحزب، حافظ قائد السبسي وفاضل عمران، لتحسم الخلافات التي شهدها الحزب. واعتمدت هذه الأخيرة، آلية الانتخاب في تحديد تركيبة المكتب السياسي للحزب الذي سيشرف على عملية تسير الحركة إلى حين انعقاد المؤتمر، الذي أوصت الهيئة التأسيسية بالإسراع في عقده. وأشار البيان الصادر عن هذه الهيئة إلى أن تركيبة المكتب السياسي ستضم أعضاء الهيئة التأسيسية الـ14، و8 أعضاء من المكتب التنفيذي يقع انتخابهم كما انتخاب 8 من ممثلي كتلة نداء تونس في مجلس نواب الشعب. هذا وتقرر إحداث عدد من اللجان أهمها لجنة المرأة والشباب ولجنة متابعة عمل الحكومة. لقد كشفت الأزمة السياسية الأخيرة في «حزب نداء تونس»، أنها ليست أزمة ناجمة عن خلافات أيديولوجية وسياسية أو خلافات في البرامج والخيارات الاقتصادية، بقدر ما هي صراعات وحرب مواقع حول «التموقع» المستقبلي سواء للأفراد أو للتيارات التي تشكل هذا الحزب، لاسيَّما مع اقتراب موعد انعقاد أول مؤتمر للحزب، الذي سيفرز هياكل منتخبة، لاسيَّما موقع الأمين العام للحزب، باعتباره من أشد المعارك الساخنة، نظرا لعلاقتها بمعركة توريث حافظ قائد السبسي على رأس قيادة الحزب.