13 سبتمبر 2025

تسجيل

بين خيرات الأرض وشاشات العَرْض

13 مارس 2013

كم في باطن الأرض وعليها من الخيرات ما لا تسعه الكلمات ولا يحيط به إلا رب الأرض والسموات، وكم على العرض في الشاشات من الشرور ما تشيب له الولدان، وتضج له العقول من الزيف والكذب والبهتان، أما باطن الأرض فهي مفعمة بخيرات وبركات وأرزاق أرساها الرحمن في طياتها في أربعة أيام أما ما على ظهر الأرض من خيرات فلا يحصيه إلا الله ومن بحث عن خير وجده، وقد تجولتُ هذه العشر الأواخر من ربيع الآخر في بلاد عدة وكان السؤال المتكرر هو: ما رأيك فيما يجري في دول الربيع العربي وبخاصة مصر؟ فأقول ما على الأرض من خيرات يختلف عما يعرض في الشاشات، ولما كان الكلام يحتاج إلى دليل آثرت أن أسوق بعضا من الشواهد العينية على الأرض تؤكد ما عليها من خيرات تختلف عما يعرض من شرور تم تزيينها أو إن شئت تلفيقها نِْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى من (شَيَاطِينَ الْإ ،( بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ  غُرُورًا) (الأنعام: من الآية   112 فجعلوا الناس يكادون أن يحبطوا من الثورة والثوار، والإصلاح  والتغيير، ولنتجول في أرض الله لنرى معا كم تحمل من خيرات تُبشِّر بمستقبل طيب لبلادنا 2013 م حيث  /2/ وأمتنا وعالمنا، وأبدأ من السبت  2 سافرت إلى فرنسا في مؤتمر للمسلمين في مدينة "ليل" شمال باريس بساعتين، وهناك كان المؤتمر في قاعة من صالات الألعاب الكبرى، وترى من كل بقاع الأرض والفرنسيين الذين أسلموا طوعا، ما تقر به عينك، وقد أخبرني الأخ رئيس المؤتمر أن عمدة المدينة رفضت أن تحضر المؤتمر الحاشد بسبب حضوري المؤتمر لأني معادٍ للصهيونية - ونعم التهمة هي- وقد أجابهم الإخوة في المؤتمر: "إذا كنتم تدَّعون في النظام العلماني فصل الدين عن الدولة، فلا يجوز للسلطة أن تتدخل فيمن ندعو إلى المؤتمر" وقد أصروا على حضور العبد الفقير تحديًا لهذا التدخل السافر قربانا للصهيونية، مع ما في هذا الأمر من مخاطر عليهم لكنهم أعملوا قيمة العزة والكرامة، والحق القانوني على المنافع العاجلة، وسافرتُ بعدها إلى ألمانيا لألتقي بالعلماء والأئمة من مائة مركز إسلامي قطع بعضهم أكثر من سبعمائة كيلومتر كي يشتركوا في الدورة التكوينية الشرعية حول: "مقاصد الشريعة ودورها في فقه الأقليات المسلمة" وقد حاضر فيها العالم الرباني أ.د. عمر عبد الكافي، والعالم الشاب في علم المقاصد د.وصفي عاشور، والقائد الرباني العالم الأزهري د.خالد حنفي، وقد رأيتُ في وجوه هؤلاء العلماء وعزائمهم ما يبشِّر على الأرض بخير ليس في ألمانيا، وحدها وإنما في أوروبا كلها، والنقطة الأكثر اندهاشا هو حضور عدد من الأئمة  الألمان الذين أسلموا وتفرغوا لحفظ القرآن وتعلم اللغة العربية فلم يحتج واحد منهم لمترجم رغم أن مستوى الحديث بلغة علم المقاصد يعد مما يصعب على الطلاب العرب فهمه، ولكنهم كانوا يستوعبون كل شيء مما يسر القلب ويشرح الفؤاد. وفي طريق العودة من ميونخ إلى القاهرة كان هناك فتح رباني ما بين الأرض والسماء، حيث دار حوار مع أحد الركاب الذين كانوا قد اقتربوا من حفظ القرآن كله، لكن الصحبة السيئة جرته إلى كل ألوان الفجور، ومع التذكير بنِعم الله عليه ومدى استعداده للدار الآخرة، فإذا بالأصل النقي يعود إليه، وتُزال – بفضل الله - القشرة العارضة، وتحول الشاب في لحظات إلى الإنسان الذي يفيض حبا وخوفا من الرحمن، فأخرجت له مصحفي الذي لا يفارقني قلبا وقالبا وقلت له: ضع يدك وتب توبة نصوحة، وتذكر أن اليد التي تمسك كتاب الله لا تمسك خمرا ولا تمس يدا في الحرام، وتعاهدنا على ثلاث: عمارة المسجد، والورد القرآني، والصحبة الصالحة، ونزلت إلى مصر مغتبطا بهذا الشاب العائد إلى الله. وفي مصر الحبيبة التقينا في المجلس الأعلى في يوم واحد قرابة 800 شاب وفتاة على دفعتين في الصباح مجموعة تزيد عن 400 من الوافدين لمصر من 50 دولة، ورغم أن منحة المجلس محدودة وقليلة، لكنهم جادون في طلب العلوم الشرعية والتربوية واللغة العربية، وقد وقف شاب من ألبانيا وتكلم بلغة عربية فصحى، وفكر إسلامي ناضج، وقيادة ربانية تبشِّر بأن هناك سفراء عظماء سوف يقودون الدعوة في أوروبا بإذن الله، وتكلمت فتاة من كينيا في أرفع أسلوب باللغة العربية التي تجاوزت السلامة النحوية إلى البراعة البلاغية، ورغم مأساتها في عدم دراسة الإعلام الذي تحبه. وكان اليوم التالي مكتظا بلقاءات مع خيار كبار العلماء وشبابهم، وخيار الدعاة من الشباب والفتيات، وخُتم اليوم بلقاء مع مجلس الوزراء والسادة المحافظين، وذهبت بعدها إلى قطر يوم الجمعة 2013/2/8 م لنلتقي بخيرة العلماء من أعضاء مجلس أمناء جامعة الاتحاد العالمي التي يؤسسها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومع أننا في دور النشأة إلا أننا وجدنا رسالة من أ.د سمير فخرو قائد التعليم الإلكتروني عن بعد في عالمنا العربي والإسلامي يرسل رسالة أنه على استعداد أن يقدم من جامعة آسيا كأحد قادتها كل الخدمات لكي تنهض جامعة الاتحاد، وجامعة آسيا لها 35 فرعا في العالم كله، وتستوعب مئات الآلاف من الدارسين في العلوم الشرعية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية. وفي  اليوم التالي كنا على موعد مع نخبة رائدة متميزة من فتيات قطر اللاتي أمضين عامين ونصف في دورة  القائدة الربانية، ولا تتخرج واحدة إلا بتقديم مشروع من مشاريع الدعوة والبر والنصرة للقيم والأخلاق،  وجاءت مشاريع الفتيات في سن الجامعة دليلا على الأفق الواسع والاستيعاب المتميز، والقدرة على الابتكار  والإبداع والحركة الدؤوب لوجه الله تعالى، وفي مساء اليوم نفسه كانت لي مشاركة في مؤتمر بعنوان:   "السياسة والفن في ميزان الأخلاق.. رؤية واقعية" وقد كان الحضور من كل قارات الدنيا وقد تكلم عبر الإنترنت الدكتور "نورمان فيكالشتين" وهو من يهود نيويورك مدافعا عن الإنسان الفلسطيني في مواجهة الظلم الصهيوني، وعرض فيلما عن الجُدر التي يقيمها اليهود بطريقة لا إنسانية تمزيقا للأسرة والمجتمع الفلسطيني، لكنه عرض جَلَد وصبر الفلسطينيين في مواجهة ظلم وطغيان الصهاينة مبشرا بنصر مبين للفلسطينيين على الصهاينة المعتدين. فهل تؤمنون معي بأن هذا الخير المدرار على الأرض هو الذي يبقى أم نستسلم للعرض في الشاشات الذي نحا أغلبه إلى تصوير دول الربيع العربي أنها صارت أرض الفوضى والمولوتوف والقتل والإضراب في منهجية آثمة لا تعرف إلا تعميم الشواذ وتلطيخ السواد الأعظم، وتشويه العظماء، وتشتيت الأفكار، وتمزيق الصفوف، وشيطنة الثورة.