22 سبتمبر 2025

تسجيل

هل يصل الربيع الثوري إلى الأمم المتحدة؟

13 مارس 2012

تعود أصول التنظيم الدولي الراهن إلى أربعينيات القرن الماضي، حينما اجتمعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ووضعت قواعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة لكي تشكل الكيان المسؤول عن حفظ السلم والأمن الدوليين ومنع نشوب الحروب بين الدول، ولكن المنتصرين حينها عملوا على أن يحتفظوا لأنفسهم بالسلطة العليا في المنظمة الجديدة وبالأخص في مجلس الأمن، بحكم كونه الجهاز الوحيد الذي خول حق استخدام القوة، كما احتفظ المنتصرون لأنفسهم بحق الاعتراض على أي قرار قد تحاول الدول الأخرى تمريره عبر هذا المجلس فيما يتعارض مع مصالحهم. وبفعل هذه التركيبية الاستثنائية لم تستطع المنظمة الدولية أن تعكس قواعد العدالة في كثير من الأزمات، واتسم أداؤها دوما بالتحيز لصالح الدول الكبرى التي وضعت هذه القواعد المجحفة. واليوم وبعد مرور ما يزيد على الستة عقود من عمر هذه المنظمة برزت أوجه أخرى لقصورها مثل عدم صمود أساسها التنظيمي أمام التغيرات في توازنات القوى الفعلية، فميزان القوى الراهن يتباين بشدة عن ذلك الذي ساد وقت وضع ميثاق المنظمة، والأهم من ذلك أن عددا من الدول التي خرجت منتصرة من الحرب ونصبت من نفسها راعية للسلم والأمن الدوليين لم تعد راغبة في القيام بهذا الدور في عالم اليوم، بل إن من هذه الدول من يصر على حماية المعتدين ويوفر لهم المظلة اللازمة للاستمرار في خرق السلام وانتهاك حرمة الحياة الإنسانية. هذا التقييم السلبي لأداء المنظمة الدولية يستدعيه موقف بعض أعضائها الدائمين تجاه الأزمة السورية، فالعدوان الذي يمارس بحق الشعب السوري والعجز الفاضح الذي تبديه المنظمة الدولية الأكبر في العالم إزاءه كفيل بإعادة النظر في الوزن الذي يتمتع به هؤلاء الأعضاء داخل هذه المنظمة. فقد تأكد بما لا يدع مجال للشك أن المنظمة الدولية وفقا لتركيبتها الراهنة تعاني من عجز هيكلي عن وقف مسلسل المذابح اليومية التي تجري في المدن السورية، وتساهم، من خلال ممارسات بعض أعضائها الدائمين، في منح نظام الأسد تصريحا مستمرا بالقتل من دون رادع. هذا العجز الهيكلي هو ما يدفع باتجاه إعادة النظر في مدى ملائمة الصيغة الحالية للمنظمة الدولية في التعامل مع ما هو قائم من أزمات ومشكلات ومدى فاعليتها في وضع حلول ناجزة لها. إن التحول عن الشكل الحالي للمنظمة الدولية وما يمنحه من امتيازات لعدد من الدول، باتجاه شكل جديد أكثر تعبيرا عن قواعد العدالة والمساواة ليس بدعا من الأفعال، فالخبرة التاريخية المعاصرة تبين أنه عقب التعثر الذي عانت منه منظمة دولية سابقة على الأمم المتحدة، تمثلت في عصبة الأمم، لم تتردد الدول الأعضاء بها في الانقلاب عليها بعد أن اتضح لها أنه ليس ثمة مبرر لاستمرارها. فإذا أخذنا في الحسبان أن عصبة الأمم لم تستطع الصمود لأكثر من 25 عاما، فإن من الغريب أن يتم الإصرار على بقاء التنظيم الدولي بصورته الحالية لأكثر من ستة عقود كاملة، رغم كونه واجه من المشكلات ما يتفوق به على مجمل ما تعرضت له العصبة، ورغم حجم التغير الذي لحق بكافة التفاصيل التي صاحبت نشأته الأولى، وأبرزها التغير فى الأوزان النسبية للدول التي اعتبرت نفسها صاحبة حق في التميز على الآخرين وعلى ترسيخ هذا التميز من خلال احتكار حق الاعتراض على ما تتخذه المنظمة من قرارات. فروسيا على سبيل المثال، والتي هي أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وأحد أبرز المعطلين لأي تحرك دولي يستهدف حلحلة الأزمة السورية ووقف نزيف الدماء المستمر بها، لم تعد دولة عظمى بالمعنى الذي كانت عليه وقت إنشاء المنظمة، ولعل أبرز شاهد على ذلك أنها ليست ضمن قائمة العشرة أعضاء الأوائل في قائمة ممولي المنظمة الدولية، فالمشاركة الروسية في تمويل المنظمة الدولية للعام 2010 لم تتجاوز 2.5 مليون دولار، مقارنة بالتمويل الأمريكي الذي فاق 33 مليون دولار. هذا في الوقت الذي يحتل فيه عضوان آخران مصنفان على أنهما من الدول المهزومة في الحرب (اليابان وألمانيا) مكانة متقدمة جدا في تمويل المنظمة (نصيب اليابان حوالي 19 مليون دولار وألمانيا حوالي 12 مليون دولار لنفس العام). بهذا المعنى يبدو التنظيم الدولي الحالي بحاجة إلى إعادة نظر في أسسه الهيكلية، بما يجعله أقرب إلى تحقيق العدالة، فمن غير المقبول أن تقوم المنظمة الدولية الأكبر في العالم على أساس حفظ السلم والأمن الدوليين فيما هي تقف عاجزة أمام شعب يتعرض لجريمة إبادة، كما أن مسألة العضوية الدائمة هي الأخرى بحاجة إلى إعادة نظر بحيث لا تحتل دولة ما مكانة أكبر مما تستحق؛ وإلا فمن غير المفهوم أن تظل دولة مثل روسيا محتفظة بكافة صلاحيات الدول العظمى في الوقت الذي أضحت فيه مفتقرة إلى المقومات اللازمة لذلك، كما أنه من غير المفهوم أن تمتلك ذات الدولة حق الاعتراض على ما تقرره بقية دول العالم فيما من شأنه أن يحفظ للمجتمع الدولي سلمه واستقراره وذلك استنادا فقط لقوة توافرت لها في مرحلة سالفة ولم تعد قائمة اليوم بنفس الدرجة. فهل يمكن أن ينتقل ربيع الثورات إلى المنظمة الدولية الأكبر في العالم، بحيث تعبر على نحو أفضل عن قواعد العدالة؟ وهل يمكن إذا تقاعست الحكومات أن تتحرك الشعوب لتبني هذه الدعوة وأخذ زمام المبادرة؟ خاصة أن هذه الشعوب تدرك أكثر من حكامها أن التنظيم الدولي بصورته الراهنة مسئول بشكل مباشر عن استمرار الأزمة في سوريا، وأنه عبر قرارات غير مسؤولة، من دول ليست في المكان الذي تستحقه، يعطي الضوء الأخضر لاستمرار مسلسل القتل الذي فاق في بشاعته جرائم النازي، الذي ما نشأت الأمم المتحدة إلا من أجل ضمان عدم تكرار ظهور شبيه له في المجتمع الدولي، فإذا بنسخة منه تظهر في سوريا، ولكن المفارقة أن نازي العرب يتوجه بعدائه الأعمى تجاه شعبه، وأن من يتولى حمايته هم من ذاقوا على يد قرينه الألماني الأمرين عندما كان يجتاح أراضيهم ويمعن فيهم القتل بلا رادع.