11 سبتمبر 2025
تسجيلفي الكثير من الأحيان تنشر وسائل الإعلام أخبارا عن المؤسسات مليئة بالأخطاء والمعلومات المغرضة وبعض الأحيان المتضاربة؛ من هو المسئول على ذلك؟ وما هي الإجراءات العملية لتجنب هذه الأخطاء وما هي السبل لتقديم المعلومة السليمة والصريحة والموضوعية للجمهور؟ المسألة بكل بساطة تتعلق بمهنية وحرفية العلاقة بين المؤسسة من جهة ووسائل الإعلام من جهة أخرى. فالمؤسسة يجب أن تستثمر في بناء علاقة سليمة ومنظمة وصحية مع وسائل الإعلام مبنية على الاحترام المتبادل والمهنية والحرفية، وهذا يعني الابتعاد عن التعتيم وإخفاء المعلومة وإبراز الإيجابيات. يجب على المؤسسة أن تتبنى إستراتيجية اتصالية واضحة المعالم تستطيع من خلالها تسويق نفسها والتواصل مع الجماهير والجهات المختلفة بمهنية عالية تجنبها تضارب المعلومات أو انعدامها كليا وهذا ما يفتح الباب على الإشاعات والدعاية.ماذا عن الاتصال المؤسساتي؟ ولماذا يجب أن تهتم الدوائر والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية والخاصة بالاتصال؟ وما هي الشروط والمستلزمات الضرورية لنجاح الاتصال الحكومي وما هي العوائق والحواجز والأخطاء التي يعاني منها الإعلام الحكومي؟ ولماذا تعودت الدوائر الحكومية ومختلف المؤسسات على التركيز على إبراز الإيجابيات والتأكيد على الإنجازات وإهمال النقائص والأخطاء ما أدى ويؤدي في غالب الأحيان إلى فقدان الثقة بين المؤسسات الحكومية والمتعاملين والجمهور. لقد انتشرت الفكرة عند العام والخاص أن الإعلام الرسمي هو إعلام غير موضوعي وغير نزيه ولا يعكس الواقع كما هو. من هنا تأتي أهمية التفكير في الاتصال الحكومي والتركيز على الاستثمار فيه من أجل التواصل الفعال بين الدوائر والمؤسسات الحكومية والجمهور وفيما بين هذه المؤسسات. فالاتصال يؤدي إلى تبادل المعلومات والأفكار والتجارب وهو أساس التفاهم بيم مختلف الأطراف والجهات. فكلما كان موجودا وقائما ومبنيا على أسس علمية ومهنية وكلما كان صادقا ومسئولا وهادفا وموضوعيا كلما أدى إلى النتائج المرجوة منه. فالولايات المتحدة الأمريكية كأقوى دولة في العالم تنظم يوميا إيجازا صحفيا press briefing في كل من البيت الأبيض (مؤسسة الرئاسة) ووزارة الخارجية من أجل إبلاغ الشعب الأمريكي والعالم بأسره بموقفها مما يحدث في العالم. كما نلاحظ أنه خلال غزو أمريكا للعراق كانت الإدارة الأمريكية تنظم أربعة إيجازات صحفية يوميا، واحد في البيت الأبيض، والثاني في وزارة الخارجية، والثالث في البنتاجون، والرابع في المركز الإعلامي، بالسيلية في قطر. وعندما سئل أحد المسئولين الأمريكيين عن الغاية من هذه الإيجازات والمؤتمرات الصحفية رد قائلا: "حتى نروي للعالم قصة الحرب بأنفسنا وأسلوبنا وحتى لا يرويها آخرون في مكاننا وبدلا منا". من هنا نلاحظ أن المؤسسة مهما كانت طبيعتها بحاجة إلى اتصال وإعلام وأخبار ومعلومات من أجل تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها والتواصل الشفاف والصريح والنزيه والمباشر مع الجماهير التي تتعامل معها. وكلما توفرت المعلومات والبيانات كلما كان هناك تفاعل إيجابي من طرف كل الجهات، وكلما زاد التفاهم والتناغم والتناسق ما يؤدي في نهاية المطاف إلى إرضاء الجميع وتحقيق التطوير والتنمية والازدهار وبناء صورة المؤسسة ومن ثم سمعتها وبعد ذلك العمل على إدارة هذه السمعة. فإذا أخذنا المتحدث الرسمي كمثال، نجد أنه في السابق كانت العديد من المؤسسات الحكومية تفتقد إلى مثل هذا الشخص الذي يمد مختلف وسائل الإعلام والرأي العام ومختلف المؤسسات الأخرى في المجتمع بالأخبار والمعلومات والبيانات والقرارات التي تتخذها المؤسسة إزاء مختلف القضايا التي تتعامل معها. والمتحدث الرسمي هو لسان حال المؤسسة والعارف بخباياها وآليات صناعة القرار فيها والمطلع على المجتمع واحتياجاته ومشاكله، وبذلك فهو مسئول على إبلاغ الرأي العام بكل ما تتخذه المؤسسة من إجراءات وقرارات، وهي أمور تعتبر حقًا من حقوق الجمهور معرفتها والاطلاع عليها. فالتطورات الهائلة التي يشهدها العالم والمنطقة العربية في مجال الإعلام والاتصال الرقمي والشبكات الاجتماعية عوامل تفرض شفافية التواصل بين المؤسسات الحكومة والجمهور ومختلف المؤسسات الأخرى في المجتمع. فالبيئة الاتصالية الجديدة تفرض تداول المعلومات والبيانات بدون تعتيم أو تلاعب أو تضليل أو تزييف. لأن هذه الطرق البالية والقديمة أصبحت لا فائدة من وراءها وأصبحت تؤدي إلى نتائج عكسية تماما. فالمتحدث الرسمي هو المسئول عن تسويق المؤسسة الحكومية للجمهور وهو المسئول على إيصال المعلومات للطرف الآخر بكل مسئولية وموضوعية وصدق ونزاهة مما يتطلب منه مواكبة كل صغيرة وكبيرة في مؤسسته لإيصالها للرأي العام. وهنا يجب الإشارة إلى أن موقع الإدارة أو المؤسسة الحكومية على شبكة الانترنت يعتبر من أهم الوسائل التي توفر كل ما يحتاجه الجمهور والمتعامل والمؤسسات الأخرى من معلومات وبيانات وقرارات وإحصائيات...الخ. فالمؤسسة الناجحة اتصاليا والتي تعمل على التواصل الشفاف والصريح والمباشر والديمقراطي هي المؤسسة التي توفر كل ما يريده الجمهور والمتعامل من بيانات ومعلومات، بل أكثر من ذلك نهجت بعض الحكومات أسلوبا جديدا في التواصل وهو الحكومة الإلكترونية التي توفر للعملاء إنجاز مئات المعاملات إلكترونيا وخير مثال على ذلك حكومة دبي الإلكترونية.إذا أخذنا محورا آخر في الاتصال الحكومي كإدارة الأزمات، فهناك أمثلة ناجحة وأخرى فاشلة لا لشيء إلا لأن القائمين على الاتصال أثناء الأزمة لا يحسنون التعامل الناجح والفعال أو يتقنونه جيدا. فهناك بعض المؤسسات الحكومية ينال منها الارتباك والخوف والفوضى بسبب عدم تحكمها في الأسس العلمية والمنهجية للاتصال أثناء الأزمة. وخير مثال على ذلك فشل الحكومة اليابانية في التعامل مع أزمة "فوكوشيما"، وفشل أمريكا في التعامل مع أزمة "كاترينا". فالاتصال أثناء الأزمة له قواعده وأسسه كالصراحة والوضوح والشجاعة على قول الحقيقة وإشراك الإدارة العليا. فالإدارة العليا لأي منظمة أثناء الأزمات يجب عليها الظهور بمظهر المهتم والمشارك في عملية حل الأزمة وعدم الوقوف مكتوفة اليدين. كذلك يجب تفعيل دور الطرف الثالث. ويقصد بالطرف الثالث هنا الخبراء والمختصون مثل المحامين والمهندسين وغيرهم ممن يستطيعون مد يد المساعدة لحل الأزمة والإصرار على الظهور العلني في موقع الحدث. فلابد على الإدارة العليا من إظهار اهتمامها وروح التعاون لحل الأزمة. وتستطيع أي منظمة إبراز هذا الاهتمام عن طريق إشراك بعض الأشخاص المهمين في المنظمة. كما يجب العمل على مركزية الاتصال والتي يجب أن تتحدد في المتحدث الرسمي الذي يعمل على إظهار كيفية تعامل المنظمة مع الأزمة وتوضيح ذلك للعامة. كما يجب التعاون مع وسائل الإعلام. فأثناء الأزمات عادة ما يكون رجال الإعلام متحمسين ومنفعلين ولا تستطيع أي قوة منعهم من الحصول على المعلومات. فلذلك لابد على المنظمة من التعامل معهم بطريقة ودية والتعاون معهم لكسب ودهم و توضيح ما قامت به المنظمة للتعامل مع الأزمة. كما يجب عدم تجاهل موظفي المنظمة. عادة ما تقلل الإدارات في مختلف المنظمات من قيمة الأزمات وتبذل كثيرا من الجهد للتعامل معها عندما تقع. فالحكمة تقضي بأن تكون الإدارة مستعدة وجاهزة للتعامل مع الأزمة قبل حدوثها. في زمن الشبكات الاجتماعية والعصر الرقمي لا مفر من الاهتمام بالاتصال المؤسسي والاتصال الحكومي حتى تروي المؤسسة قصتها وتعبر عن رأيها بنفسها وإلا سيحل محلها آخرون وحينذاك تُروى القصة وفق مصالح هؤلاء على حساب المؤسسة.