30 أكتوبر 2025

تسجيل

التدخل الغربي في ليبيا والأخطاء القاتلة

13 فبراير 2016

السؤال عمّا إذا كان الغرب سيتدخل في ليبيا بعد تدفق سيول التصريحات القادمة من شمال المتوسط ومن غرب المحيط الأطلسي التي تدور حول تنامي الخطر الشديد لتنظيم الدولة الإسلامية، ليس هو جوهر الموضوع في المسألة الليبية، رغم أن أغلب المتابعين لديهم قناعة راسخة أن الغرب هيّأ الأجواء وأعدّ الخطط لتدخل عسكري واسع هناك. عملياً التدخل الغربي في ليبيا لم يتوقف يوماً، منذ أن تحصّلت الولايات المتحدة وفرنسا على قرار من مجلس الأمن الدولي عام 2011 يبيح لحلف الأطلسي التدخل لإسقاط الرئيس معمر القذافي عسكرياً تحت ذريعة حماية المدنيين من كتائبه العسكرية، إلا أنه يرتدي شكلاً مختلفاً في كل مرحلة، آخذًا بالاعتبار حجم التحولات في الداخل الليبي وجواره لاسيما في دول الثورات العربية. التدخل الخارجي في بلد ما ليس مذموما لذاته ولا محمودا. في البوسنة والهرسك وبعض دول إفريقيا التي شهدت نزاعات أهلية، كان التدخل الخارجي محمودا لحقن شلال الدماء وحفظ ما تبقى من التنوع الإثني والديني والحيلولة دون مزيد من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وهي حالات قليلة، على كل حال ، قياسا إلى ما سببه التدخل الغربي في دول أخرى، وما ألحقه من أذى بحق المجتمعات.غالبا ما ينتهي التدخل الخارجي المنطوي على أجندات خفية إلى وبال على الدولة المنتهكة حرمتها وشعبها من ناحية وعلى الدول الغازية نفسها التي يتحول مجال تدخلها إلى مستنقع استنزاف اقتصاديّ وعسكريّ وسياسيّ لا يتوقف من ناحية أخرى. ألم يكن التدخل الخارجي في أفغانستان والعراق على تلك الحال من السوء؟سهلٌ على الغرب اتخاذ قرار التدخل العسكري المباشر والواسع في ليبيا، لكنه يعلم تماما أن قرار الحرب أسهل بكثير من قرار وقفها، وأنه قد يكون درس بعناية تامة الحاجيات اللوجستيّة والتسليحيّة وفاتورتها التشغيلية لكنه بالتأكيد لن يكون قادراً على التنبؤ الجيد بمسارها ولا بحدود توسعها ولا بفترتها الزمنية. من كان يعلم في البيت الأبيض أن التدخل لإسقاط صدام حسين عام 2003 سيُلزم الولايات المتحدة تحمل فاتورة الحرب حتى عامنا هذا وربما لأعوام قادمة كون الأمور لم تتحسن قط في البلاد منذ سقوط بغداد. وما الزلزال الذي يضرب سوريا اليوم إلا ارتداداً من الزلزال العراقي ذاته.إن تدخلا عسكرياً مباشراً في ليبيا غير محسوب النتائج وغير مدروس بعناية وغير قائم على تجنب أخطاء التجارب السابقة من شأنه إشعال برميل البارود المتبقي في المنطقة. وتداعياته لن تقتصر على شمال إفريقيا بل ستضرب عمق أوروبا في الصميم كون ليبيا من أكثر الدول العربية قرباً للجغرافيا الأوروبية بعد المغرب. والطبيعة المكونة للشعب الليبي وما ألحق نظام القذافي به من مصائب خلال عقود حكمه أفقدته ثقته بالمنظمات الدولية ورسخت لديه قناعة لا تتزحزح أن العالم طامع بثرواته النفطية التي لم يهنأ الشعب الليبي بها يوماً منذ اكتشافها، وأن قوة السلاح فقط هي من تحمي حقوقه في وجه أيّ حيلة خارجية لتدجينه وسرقته أو تخطيط خبيث بصنع نظام ديكتاتوري يُفصّل لحكم البلاد ويُسخّر أساساً لنهب خياراتها وتقاسمها مع الغرب مقابل منح الغرب له الشرعية من ناحية، وترويجه لفكرة حماية الغرب من تطرف شعبه المتزمت والمتخلف ديمقراطياً، وغير القادر على الانضباط بالقوانين الناظمة لسلوكه في دولة متحضرة من ناحية أخرى، وهي سيناريوهات تتكرر دائماً في دول العالم الثالث.إذا كان التدخل العسكري المباشر مجدداً هو للهيمنة على النفط أو لنصرة طرف على آخر من المكونات العرقية أو الجهوية أو السياسية أو للقضاء على جميع الفصائل الإسلامية دون تفريق بين من تعمل على بناء دولة المؤسسات وتؤمن بشرعية الصندوق في الانتقال السلمي للسلطة وتحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الدول وبين تلك التي لا تكفر بكل ما عداه من حركات وتنتهج العنف المسلح ضد خصومها، أو من أجل تنصيب نظام حكم غير ما كان يتطلع إليه الشعب في ثورة 17 فبراير أو وقع التدخل دون تنسيق مع دول الجوار الليبي مثل مصر وتونس والجزائر فسيكون الغرب قد جرّ نفسه إلى أغبى سيناريو للتخريب والتدمير.