19 سبتمبر 2025
تسجيلتتفاقم الأزمات الضاغطة على تركيا في شأن الأزمة في سوريا وأحد أبعادها الأساسية العلاقة أو الموقف من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، فضلا عن حزب العمال الكردستاني في الداخل التركي.لا أحد يحسد تركيا على وضعها الداخلي الذي يواجه تحديات اجتماعية وأمنية كبيرة غير مسبوقة.فتدفق اللاجئين المستمر منذ أكثر من أربع سنوات يكاد يغير هوية بعض المناطق الديموغرافية في تركيا. والمشكلات الناشئة عنهم متعددة سواء بالمخاطر الأمنية أو منافسة العمالة التركية داخل بلادها.أما الوضع الأمني فهو يمر في أسوا مراحله بل يفوق ما كان سائدا في التسعينيات وهي الفترة الموصوفة في تركيا بأنها الأكثر دموية في تاريخها.فمنذ أكثر من ثلاثة أشهر والمعارك تدور في أكثر من مدينة تركية بين الجيش التركي ومقاتلي حزب العمال الكردستاني في حرب شوارع ومدن فعلية حيث المتاريس والخنادق والحواجز ويلحق الدمار بالأبنية في مشاهد تذكر ببعض المدن السورية. ومن نتائج الحرب الداخلية بين الدولة والأكراد تهجير عشرات الآلاف من السكان من منازلهم ومدنهم.وبمعزل عما إذا كانت الحرب الكردية - التركية متصلة بالحرب في سوريا أم لا فإنها غير مسبوقة ومرشحة لمزيد من التصعيد. وها هو أحد قادة حزب العمال الكردستاني دوران قلقان يقول قبل أيام: "للمرة الأولى منذ 43 سنة نحقق التفوق في المدن وخلال فصل الشتاء" معلنا أن الأسابيع والأشهر المقبلة سوف تشهد اتساعا في نطاق العمليات العسكرية التي ينفذها حزب العمال الكردستاني وسوف" نلقن الحكومة التركية درسا ثقيلا".ولا تكاد الحكومة التركية تنام على مشكلة حتى تستفيق على أخرى في سلسلة لا تنتهي من المخاطر والتحديات.ومع أن الموقف الأمريكي ليس جديدا هذه المرة فإنه يأتي في لحظة أمنية وسياسية حساسة لتركيا. ففي الداخل السوري تشهد المعارضة المدعومة من تركيا تراجعا ميدانيا كبيرا خصوصا في منطقة ريف اللاذقية وحلب وهو ما أدى إلى قطع طرق الإمداد الرئيسية من تركيا إلى مسلحي حلب. لكن موجة هجرة جديدة قد بدأت بتدفق أكثر من خمسين ألف شخص حتى الآن ومرشحين للتصاعد في الأسابيع المقبلة في اتجاه حدود تركيا هي التي يوجد فيها أكثر من مليونين ونصف المليون لاجيء. وهو ما دفع حتى بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للمجيء إلى تركيا لمنع استمرار تدفق اللاجئين إلى أوروبا.هذه المخاطر الأمنية والسياسية واللاجئين دفعت الرئيس التركي مثل رئيس الحكومة التركية إلى الدعوة لتدخل عسكري في سوريا لوقف العمليات الروسية.لكن الدعوة لم تجد صدى من قبل أحد. فلا الأمم المتحدة تحركت ولا الاتحاد الأوروبي يريد ذلك ولا العرب في وضع يستطيعون معه فرض إرادتهم. وتبقى الولايات المتحدة التي يبدو أنها منشغلة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية أو أنها لا تريد أن تدخل في صدام مع روسيا لتكون النتيجة تقدما للمحور الذي يقف خلف النظام من جهة ولقوات الحماية الكردية من جهة أخرى. وهو ما يثير قلق تركيا وغضبها. إذ إن تركيا تنظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، الفصيل الرئيسي في قوات الحماية الكردية في سوريا، على أنه منظمة إرهابية مثله مثل حزب العمال الكردستاني. لكن الصدمة لتركيا أن الناطق باسم الخارجية الأمريكي جون كيربي صرح يوم الثلاثاء الماضي إن الولايات المتحدة ترى في حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية لكنها لا ترى في حزب الاتحاد الديمقراطي منظمة إرهابية. تركيا ترى ذلك على أنه تشجيع لقوات الحماية على التوسع في سوريا في لحظة فائقة الأهمية والخطورة على تركيا. وهو ما دفع الخارجية التركية إلى استدعاء السفير الأمريكي في أنقرة لإبلاغه احتجاج تركيا على تصريحات كيربي. وقبل ذلك كان أردوغان يدعو واشنطن إلى الاختيار حرفيا بين أن تكون "شريكة لتركيا أو للإرهابيين الأكراد في كوباني".تدرك أنقرة أنها لا تستطيع التدخل بمفردها عسكريا في سوريا فهي في النهاية دولة أطلسية. كما أنها تريد أن تشارك في الحرب السورية ضمن تحالف تقوده واشنطن. ومن دون الموافقة الأمريكية التي لا يبدو أنها ستأتي في المستقبل المنظور ستبقى تركيا تواجه تحديات ومخاطر لن يستطيع أحد أن يدرك نوعها وشكلها وحجمها وتأثيراتها.