30 سبتمبر 2025

تسجيل

مأزق قطاع الصناعات الخفيفة

13 فبراير 2013

مأزق قطاع الصناعات الخفيفة في السوق المحلي يرجع في الأصل لعوامل بنيوية وهيكلية يضاف لها قصور في دعم الدولة لهذا القطاع وعدم وجود جهة راعية له، أما النجاح الذي حققته الصناعات الثقيلة خلال العقود الماضية ومازالت تحققه حتى يومنا هذا كانت له أسبابه الأساسية، فالدولة تملك ميزة تنافسية في توفير الطاقة والغاز. هذا شجع الكثير من الشركات العالمية ذات الصيت والباع الطويل في التصنيع والتقنية والتي تملك شبكات علاقات عالمية تصل لمعظم الأسواق الخارجية، حيث سعت هذه الشركات في الدخول مع الدولة في شركات تحمل عناصر النجاح، فهي تملك المعرفة بالأسواق العالمية ولها علاقات وطيدة بها، وتستطيع منذ البداية الحصول على وفورات الحجم الكبير من خلال مصانع متقدمة وقدرة على تصريف المنتج في الأسواق العالمية، وهذا ما لا يملكه قطاع الصناعات الخفيفة في الدولة، فالسوق المحلي ضيق لا يستوعب الكميات المطلوبة للحصول على وفورات الحجم الكبير، ودون ذلك من معدل الإنتاج يعني أن المستثمر ان اعتمد على السوق المحلي في تصريف إنتاج المصنع فلن يستطيع أن يبني مصنعا له خطوط إنتاج غزيرة، فلن تستوعب السوق المحلية الكميات المنتجة، والمصنع في طلبه للصناعات الداعمة سيجد أن جميع المدخلات لا بد أن يستوردها من الخارج، فالسوق المحلي ينقصه التشابك الصناعي الذي يسمح بخفض التكلفة وتوفير الوقت، ويمكن المصنع من تطوير منتجه من خلال الاتصال بالمصنع الوطني والطلب منه تكييف منتجه لكي يتمكن من تحقيق متطلبات المستهلك في السوق المحلي، هذا على مستوى بنى السوق وهياكله، أما على مستوى المشاكل العملية فهي كثيرة ومتعددة، منها تخصيص الأراضي والحصول على التمويل دون بيروقراطية، والإجراءات من البلدية إلى وزارة الأعمال والتجارة والبيئة وإدارة الصناعة، أما وجود دراسات ومؤشرات يستند عليها المصنع في اتخاذ قراراته فتلك غير موجودة أو ليست في متناول اليد، أما منظومة الدعم التي أقيمت من قبل الدولة مثل بنك التنمية وصادرات وقطر للمشاريع وبعض حاضنات الأعمال وإن بدأت ملامحها تظهر إلا أنها وحتى الآن لا تملك الخبرات الواسعة، وهي غير كافية، ليست هناك مراكز أبحاث تمد القطاع بما هو جديد ومبتكر، ولذلك فهي تنافس أعرق المصنعين في السوق الوطني، فمعظم الصناعات تقليدية ومكررة، فهي تعتمد على خفض التكلفة والقليل منها ما يقدم الجديد النافع، فظهور مراكز الأبحاث سيرفد قطاع الصناعة بأهم مدخل وهو الاختراعات والتطوير والابتكارات وهو ما سيجعل من الصناعة شغلا مثمرا، ولكن هذا يحتاج ومن الآن إلى إيجاد آلية لربط مراكز الأبحاث والسوق المحلي من خلال مبادرات وطنية تجدد القطاع وتدخل عليه الحيوية، ولكن بالرجوع للحاضر نرى أن الصناعات لا تزال تقليدية ولذلك فدون دعم من الدولة لإدخال الصناعات في المشاريع خاصة الكبيرة فلن تكتسب الشركات المحلية الخبرة ولا القدرة على تطوير منتجاتها ولا خدماتها ولا إجراءاتها وسياساتها، ولذلك وبرؤية الوضع الحالي لا بد من وضع إستراتيجية للقطاع الصناعي الخفيف، فإما الاستمرار على النهج الحالي وهذا يعني الدعم الكامل من قبل الدولة أو إيجاد إستراتيجية تأخذ مكونات الاقتصاد وميزاته ونقاط ضعفه في الحسبان ووضع رؤية يكون القطاع الصناعي قادرا على العطاء من خلالها، فهناك عامل آخر نواجهه وهو الثقافة، فالثقافة المحلية ليست صناعية، بل هي ثقافة صيد السمك واللؤلؤ وثقافة البر، ولذلك فإن أصرت الدولة على الدفع في محاولة لتنهيض القطاع الصناعي فإنها تحتاج لتثقيف الجمهور والمبادرين وأصحاب المشاريع وتوفير كل ما يحتاجون لكي يتكلل ذلك بالنجاح، ولكن وكما نرى أن المواطنين على علم ودراية بالقطاع الرقمي وأصبح الكثير من المواطنين منغمسين في التقنيات اليوم لدرجة قد يكون من المجدي أن تقوم الدولة بدفع عملية التصنيع للمنتجات والخدمات الرقمية وهذا سيكون مقبولا لدى الجمهور، لأن ثقافة الإنترنت والحاسوب والجوال تسللت لكل بيت ومدرسة وعمل ونفذت إلى العقول مكونة ثقافة تمهد لبناء صناعة حديثة ورقمية تتجاوز المعوقات البنيوية في الاقتصاد الوطني لتكون أكثر جدوى وأكثر تقبلا من قبل الجمهور والمستثمرين. ولذلك فإن وجود رؤية شجاعة وبعيدة عن تقليد الآخر قد يوفر فرصة لنقل القطاع الصناعي لمجالات جديدة تدعم رؤية قطر للوصول إلى اقتصاد معرفي دون المرور في مأزق الصناعات الخفيفة التقليدية.