30 سبتمبر 2025
تسجيلالاقتصاد العالمي مختلف جدا بين ما قبل الأزمة المالية العالمية واليوم. في سنة 2007، شكل الاقتصاد الأمريكي حوالي %30 من الاقتصاد العالمي و14% من التجارة الدولية. كان حجم الأسواق المالية الأمريكية يعادل 145% من الناتج، علما بأن ربعها كان مصرفيا. حجم القروض المالية للقطاع الخاص شكل في سنة 2007 حوالي 210% من الناتج في أمريكا مقارنة بـ 121% في منطقة اليورو و98% في شرق آسيا. نما الاقتصاد العالمي حوالي 4% سنويا في فترة 2000 \ 2007 مقارنة بـ 3% في العقد الذي سبق. تحصل الأزمة المالية الدولية المستمرة منذ سنة 2008 بسبب السياسات الخاطئة التي اعتمدتها أمريكا وأوروبا كما نتيجة الممارسات السيئة المرتكزة على الفساد وسوء الأداء. كانت السياسات النقدية أحد الأسباب الأساسية لأزمة 1929، وبالتالي ظن البعض أنها ستكون كذلك هذه المرة. إلا أن وجود "بن برنانكي" على رأس المصرف المركزي الأمريكي، وهو الباحث في شؤون أزمة 1929، أسهم إلى حد كبير في عدم تكرار التجربة. لا يكفي ألا تشكل السياسات سببا للمشكلة، بل يجب أن تساعد في حلها أو التخفيف من وطأتها. لا بد من مراجعة كل السياسات التي اعتمدت قبل الأزمة أي منذ سنة 2000 منعا لتكرار التجارب التي أوصلت الاقتصاد الدولي إلى ما هو عليه. المعلوم أن السياسة النقدية تهدف أصلا إلى تحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط والطويل شرط ألا تسبب الركود المؤذي بالبطالة. تكمن المشكلة في أي مؤشر أسعار نعتمد؟ هل ندخل إليه فقط السلع أم الخدمات والأصول أيضا؟ إن ضبط النمو النقدي ضروري جدا منعا للتضخم شرط ألا يقضي على فرص النمو. هنا تكمن أهمية التنسيق بين السياستين المالية المسؤولة عنها وزارة المالية والنقدية التي تخضع للمصرف المركزي شرط المحافظة على استقلالية كل منهما. أكثرية الدول تعتمد الاستقلالية التي يخطئ البعض بتحميلها مسؤولية الأزمة الدولية. الاستقلالية ممتازة وضرورية، لكن الممارسة لم تكن بالمستوى المطلوب فحصلت أخطاء عديدة. هنالك دور كبير للمصرف المركزي في إبقاء الاقتصاد العام مستقرا. هنالك مصارف مركزية تعتمد على قواعد أو معادلات دقيقة لسياساتها النقدية. لكن التقلبات الدولية تمنع في العديد من الأحيان تطبيقها. هنا تكمن صعوبة تحديد السياسة النقدية الفضلى، إذ تختلف من دولة إلى أخرى. لا شك أن كفاءة حكام المصارف المركزية مهمة لتعديل السياسة النقدية كلما تدعو الحاجة لمصلحة الاقتصاد وحمايته. يكمن دور المركزي في حسن الرقابة على المصارف والمؤسسات المالية بمختلف أنواعها. لم تحصل الأزمة المالية من دون دور كبير وسلبي للمصارف، أي إقراض غير مدروس خاصة للعقارات في وقت كانت المصارف المركزية تتفرج. دور المصرف المركزي هو التأكد من سلامة القطاع المصرفي الذي احتاج إلى الضرائب للإنقاذ. هنالك غضب دولي كبير ومحق تجاه المصارف بدأ يخف، لكنه ما زال قويا. في مؤتمر دافوس هذا العام، يظهر الغضب وهنالك اعترافات بالأخطاء من أهم المصرفيين. لكن هذا لا يكفي، إذ يجب التأكد من أن الممارسات المستقبلية ستكون أفضل وأنزه وأقل مخاطرة بأموال وودائع المواطن. تقوم المصارف المركزية بإدارة عمليات الدين العام للدولة أي تصدر سندات الخزينة وتسوقها لصالحها. أسواق السندات هي في غاية الأهمية وتشكل قسما أساسيا من الأسواق المالية الكاملة. هنالك دول كالسعودية تستطيع تسديد كل ديونها العامة وكل السندات، لكنها لا تفعل كي تبقي السوق فاعلة. تعطي أسواق السندات معلومات كبيرة عن توقعات المواطنين والمستثمرين المستقبلية بشأن الفوائد ومخاطر الدولة. لماذا يجب أن يبقى ضرب التضخم هدف السياسة النقدية؟ أولا: التضخم القوي يضرب فرص النمو، إذ يبعد الاستثمارات ويرفع مستوى المخاطر. ثانيا: يضرب التضخم الادخارات المالية والودائع المصرفية وبالتالي معاشات التقاعد المهمة جدا للإنسان في نهاية حياته العملية. ثالثا: يضرب التضخم النظام الضرائبي في عدالته. كيف يمكن تجنب التضخم؟ المهم هو إبقاء مجموع الطلب موازيا أو أقل من مجموع العرض. يمكن للسياسات العامة أن تؤثر على عاملي الطلب والعرض لتجنب حصول التضخم الذي يدخل بسرعة ويخرج بصعوبة. فالسياسة المالية ترفع مجموع الطلب عندما تزيد الإنفاق العام على الحاجات العادية كما الاستثمارية. ترفع السياسة النقدية من حجم الطلب عندما تخفض الفوائد، فتزداد القروض وبالتالي الطلب على كل السلع والخدمات. يمكن تحفيز العرض عبر تخفيض الضرائب، فيزداد الإنتاج وبالتالي تنخفض الأسعار. يمكن للحكومة أن تضبط تحركات الطلب العام كما العرض العام عبر سياساتها الهادفة إلى تحقيق النمو بالإضافة إلى معالجة موضوعي التضخم والبطالة. من العوامل المهمة للتي تضرب التضخم هي تحرير أسواق العمل، بحيث تعكس الأجور التوازن وبالتالي يحصل العمال كما رب العمل على حقوقهم كاملة. أسواق عمل ضبابية تسبب البطالة واعتماد أجور غير متوازنة يبقى ظالما. زيادة الأجور دون ارتفاع الإنتاجية تؤدي إلى التضخم، من هنا ضرورة اعتماد السياسات الداعمة للإنتاجية والتنافسية كما فهمها الفرنسيون جيدا ويسعون إلى تطبيقها عبر تقرير "غالوا". أخيرا من العوامل المهمة لضرب التضخم إدخال الجميع إلى سوق الإنتاج عبر القروض الصغيرة التي تعتمد أكثر فأكثر حتى في الدول الصناعية. هنالك أسس اجتماعية وتضامنية ومالية ومؤسساتية ترتكز على الثقة والعلاقات الاجتماعية والثقافية وشبكات التواصل بين المواطنين وضعها أصلا محمد يونس في بنجلادش وحصل على جائزة نوبل للسلام بفضلها. اعتمدت هذه الأسس تحديدا في نيويورك عندما تحمست لها الشيخة هيلاري كلينتون في العقد الماضي.