20 سبتمبر 2025

تسجيل

مهنة الأنبياء

13 يناير 2016

من يتأمل ويقرأ قصص الأنبياء الكرام، عليهم السلام، سيجد أنهم جميعاً في مرحلة ما من مراحل حياتهم رعوا الغنم. وقد تحدث كثيرون عن السر في ذلك ولماذا رعي الغنم وليس الإبل مثلاً أو البقر؟ وهل لذلك من علاقة بمسألة القيادة والتوجيه والإرشاد؟قال البخاري في صحيحه إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم. فقال أصحابه وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة".. وقد ذكر ابن حجر في شرح صحيح البخاري عن بعض العلماء أن "الحكمة في إلهام الأنبياء رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأن في مخالطتها ما يحصل لهم الحلم والشفقة.يضيف ابن حجر: "لأنهم إذا صبروا على رعيها - ويقصد الغنم - وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح أحسن، ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق.. وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة.. ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طباعها، وتفاوت عقولها، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها، فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخُصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها، ولأن تفرقها أكثر من غيرها من الإبل والبقر، لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة.. ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقياداً من غيرها".حديثنا ليس دعوة لرعي الأغنام، بقدر ما هو دعوة للتأمل في سير الأنبياء الكرام، قادة البشرية، كي يتعلم القادة والمسؤولون، أيّاً كانت درجاتهم، كيفية قيادة الناس وسياستهم بالصورة المثلى، عبر استيعاب مفهوم "اختلاف الناس" وتنوع أمزجتهم وطبائعهم، قبل قيادتهم أو إدارتهم وتوجيههم.. فهكذا هي الحياة، تُعلمنا دروسها عملياً من حيث ندري أو لا ندري، أو من حيث رغبنا في أساليب وطرق تدريسها أم كرهناها، إلا أنها دون شك، طرق ناجعة ناجحة .. فتأمّلوا.