12 سبتمبر 2025

تسجيل

حوار بلا أحذية!

12 نوفمبر 2013

في عالمنا العربي الجميل لو أمسكنا بمنظومة التعامل في حالة الاختلاف من أول (الزوج – والزوجة) لوجدنا عجبا! هل لاحظتم حالة الأزواج قبل الخلاف؟ ستجدهم (زي العسل) شبه اليمام أو خليها حمام حتى إذا ما دبّ الخلاف تدخلت الأحلاف، أمه وأمها، وفجأة يتحول الرجل الذي لم تخرج منه العيبة يوما إلى رداح يجمع من كل قاموس (مسبة) يلقيها في وجه زوجته التي كان يتغزل بها (سابقاً طبعاً) وكذلك ستجد أن الزوجة الرقيقة (النعومة) قد تحولت إلى رشاش مفتوح بما تخجل من سماعه، وطبيعي يرد الزوج بتحية أفضل منها فيسب ويقذف ويهين بما يخدش الكرامة دون أي اعتبار للأطفال، والعشرة، والعيش والملح، وكل ما كان من أشياء جميلة، وتتطاول ألسنة اللهب فتتدخل أم المدام بالضربة القاضية (طلق بنتي) وأمام إحساس الرجل بالإهانة يطلق ثأراً لكرامته، وينهد البيت، ويحدث هذا لأننا لا نفقه شيئا في أدب الاختلاف إلا من رحم ربي! هل لاحظتم الحال إذا ما اختلف الموظف مع مديره لأسباب كثيرة كأن يطالب مثلا بحقه في الترقية بينما مديره لا يرى ذلك لأن الموظف ليس من أهل الحظوة! هل رأيتم كيف يدير الخلاف، أولاً سيقف للموظف على الواحدة، سيراقب حضوره وانصرافه ليمسك عليه ممسكاً ويثبت أنه غير منضبط، وسيلعب في تقرير الموظف السنوي لتكون "مقبول" من نصيبه حتى لو كان جهبذاً، وعندما يتعاظم وجع الموظف من مسؤوله يحاول الوصول إلى مسؤول أعلى منه ليشكو همه، يعرف المدير بأمر الشكوى فيضع اسم الموظف في أول كشف التفنيشات! يحدث هذا دون أي اعتبار لأسرة، أو أطفال مطلوب اقتلاعهم من مدارسهم لتتغير وجهتهم فجأة، ويخرج الموظف بعد 10، 15، 20 سنة لا يحمل إلا كتاب تفنيشه، وحسبنا الله ونعم الوكيل، يحدث هذا لأننا لا نفقه شيئاً في أدب الاختلاف إلا من رحم ربي! هل لاحظتم العلاقة الأسطورية بين فلان وصديقه، هل لاحظتم البذل، وإنكار الذات، والود في أحلى صوره وأجمل معانيه؟ كل هذا الوداد يظل جميلاً يانعاً حتى إذا ما اختلفا خرج سر الصدور الذي ائتمنا بعضهما عليه ليكون مشاعا لكل الناس، بل تجد غسيلا منشورا بكل ما فيه من أذى ليكون مشاعا بين الناس وليسمع القاصي والداني ما لا يسر، وتتفكك العشرة، ويضيع حق العيش والملح ويتباعد الحبيبان اللذان ما كانا ليفترقا إلا عند النوم، وتضمحل العلاقات الإنسانية مهما طال عمرها، يحدث هذا لأننا لا نفقه شيئا في أدب الحوار! وأكيد تشاهدون برامج ولقاءات بالتليفزيون لضيفين جلسا مثل الديكة يتناقران هذا مصمم على رأيه وذاك متعصب لوجهة نظره وتتصاعد الحدة في الحوار حتى يكادا يشتبكان بالأيدي، وتتناهى إلى مسامعنا: احترم نفسك، أنت حقير، أنت قليل الأدب، أنت خائن، أنت، وأنت، وأنت حتى ان ضيفا كاد ينطح زميله الضيف نطحة أمر من نطحة زيدان، أقسى ما في هذا المشهد أنه يعد القدوة السيئة بما أن الجيل الجديد قرر ألا يعيش في جلباب أبيه البالي، وأنه قرر الاستعاضة بتربية التليفزيون عوضا عن أهله، بالمناسبة منذ يومين رأيت ضيفا يضرب زميله بفنجان القهوة الذي كان يشرب منه، ولكم أن تتصوروا ما الذي حدث بعد البرنامج، لم ندر من بطح الآخر بطحة أمر من بطحة زيدان! يحدث هذا لأننا لا نعرف أدب الحوار! ثم تأتي (الجزمة) لتكون سيدة مواقف كثيرة فهي حاضرة وبقوة في المحاكم، والبرامج، والشعارات، من لا يتفاهم بفمه يتفاهم (بجزمته) هل انتهى كلام القواميس لنرفع الجزم؟ نصل إلى الاختلاف السياسي، المعلوم أن كل واحد حر في رأيه لا مصادرة عليه، بل إن التعبير عن الرأي حق من حقوق البشر دون تجريح الآخرين أو الحط من أقدارهم، أليست هذه الديمقراطية التي انتظرها عالمنا العربي الجميل من زمان؟ مضطرة أن استرجع يوما دخلت فيه حديقة (الهايد بارك) في لندن، وجدت جمهوراً يلتف حول أحدهم الذي اعتلى الكرسي وراح ينتقد الحكومة انتقاداً لاذعاً، الجمهور المتحلق كان كلما سمع ما يعجبه صفق دون أن يشارك في ترديد أي شعارات، لم يرفع أحدهم (جزمة) ولم أر توليع عربيات، ولا حرق إطارات، ولا تهشيم واجهات المحلات، لم نسمع ما يشابه (شي.. حا.. ولا ... عند أمك مش عارف إيه، ولا ليلة أبوكو ليلة سودة)، ولم أر عبارات بذيئة مكتوبة على حوائط الحديقة بالاسبراي، حتى الشرطة كانت مستقرة عند مدخل الحديقة في دعة دون أي استفزاز، لا تتدخل، ولا تمنع أحداً، ولم أر بلطجية بالمطاوي، ولم أسمع صوت الإسعاف لينقل مصابين بالطوب، والخرطوش، أنهى الرجل انتقاده فنزل من مكانه وغادر الحديقة في هدوء مفسحاً الطريق لغيره الذي أخذ مكانه مبدياً وجهة نظره في موضوع آخر وبدأ الحاضرون ينصتون بلا ضجة! أستحضر هذه الصورة الآن وأكتب عنها لأن كل ما رأيته يشي بديمقراطية حقيقية وتفهم للرأي الآخر دون تحزب ولا حساسية، وأستحضرها أيضا لخروج أحد المذيعين على إحدى القنوات ليقدم وصلة من سباب يعاقب عليه القانون للاعب (أحمد عبدالظاهر) لأنه رفع كفه بشارة رابعة بعد أن أحرز هدفا أسعد به جمهور الأهلي وكل العالم العربي، ثم استعرت هجمة إعلامية شديدة على أحمد عبدالظاهر! ممكن المذيع لا يروقه (د. مرسي) كل واحد حر وبالتأكيد لم يأت أحد ليصادر رأيه ويفرض عليه أن يكون مع المطالبين بالشرعية، وتجاوز المذيع جدا في هجمته على (أحمد عبدالظاهر) فنعته (بالخروف) الذي لا يستحق أن يلوث لسانه بنطق اسمه، كل ده كان ليه؟ لأن اللاعب رفع كفه بإشارة رابعة بعد أن أحرز هدفا بديعا. مندهشة جدا من حجم الهجمة لأني أعرف أن الكاتب والمذيع يجب أن يكونا حياديين متجردين لا يتدخلان فيما يقرآن ويجنبان رأيهما الشخصي ولا يقحمانه في التعليق على أي حدث، والعتاب للمذيع عتابان، الأول لأنه سب نجم الأهلي وأهانه بطريقة لا يرضاها لنفسه، والثاني لأنه معلم يراه الملايين الذين نسي أن يعلمهم درساً في أدب الاختلاف! * * * طبقات فوق الهمس * العقلاء يخمدون نار فتنة تستهدف مصرهم الغالية فأين هم يا عالم!