17 سبتمبر 2025

تسجيل

إلى سعادة وزير الصحة .. مع التحية

12 نوفمبر 2012

هناك أمور لا تستدعي مخاطبة سعادة الوزير عبدالله بن خالد القحطاني لأنها عادية، ويمكن أن تؤجل، ولا يترتب على تأخيرها إضرار بمصالح الناس، ولعل أهم مصالح الناس صحتهم، وهنا تصبح مخاطبة سعادة وزير الصحة ضرورية، أولاً لأن الأمر لا يحتمل التأجيل أو الانتظار، وثانياً لأن الأمر متكرر، والشكوى هي نفسها، وهنا أود عرض مشهد حدث في العيادات الخارجية بقسم السجلات والتقارير يوم 16/12/2012 حيث حضر شاب يبدو لأول وهلة أنه مريض جداً، يشي بذلك شدة إصفرار وجهه، ووقفته منحنياً من شدة الإنهاك، سأل الموظفة عن تقريره الذي من المفروض أن يتسلمه، قالت الموظفة بصوت خفيض (التقرير مش خالص) هنا رفع صوته المتعب ليقول لها (ثلاثة شهور أراجع وبعد مش جاهز، ما تشوفين حالتي، المحكمة ناطرة التقرير وأنا رايح جاي وما أسمع غير مش جاهز؟ متى يصير جاهز حرام عليكم) وانصرف الشاب وهو في غاية الغضب والاستفزاز يشد قدميه، ويشد تعاطف الواقفين معه! انتهى المشهد المتكرر إذ ليست هذه حالة وحيدة تشكو من تأخير التقرير الطبي، وهنا نسأل ما أسباب تأخير التقارير؟ هل هو ضغط عمل؟ إن كان كذلك، فهناك حلول بالتأكيد، ثم لماذا يقال للمريض المراجع تعال بعد أسبوعين ثم يراجع شهرين دون تسلم تقريره الطبي، وقد يتعلق الأمر بعارض صحي عاجل، أو بموعد مع طبيب، أو بسفر لإجراء عملية مستعجلة، أو بصدور أحكام فاصلة فيها حقوق ناس؟ أعتقد أن الأمر لأصحابه في غاية الأهمية لأنه لا يخص نزهة بل يخص صحة، أما عن معاناة المراجعة فهذا أمر مؤلم آخر، فإذا كان الصحيح منا يتعب ويضجر وهو يلف ويدور طويلاً حتى يجد مركناً لسيارته إذا ما راجع في أمر صحي، فما بالنا بالمريض الذي أجرى عملية حديثة، أو المسن المنهك، أو ذي الاحتياجات الخاصة الذي قد يكون بلا مرافق وهو يجرجر أقدامه من سيارته حتى (كونتر) المراجعة ثم يقال له التقرير غير جاهز تعال بعد أسبوعين ليتكرر الإجهاد، والمشقة، والتعب؟ لأن الأمر إنساني جداً، ويشكل معاناة لأصحابه نرفع هذا المشهد لسعادة وزير الصحة ونحن على ثقة بأن مسألة تأخير التقارير ستحل رحمة بالمرضى، وتيسيراً على الموجوعين الذين اجتمع عليهم هم المرض وهم تأخير التقارير، والشكر الجزيل نقدمه سلفاً، ويا ريت تتشرف إدارات المستشفى المختلفة بزيارة تفقدية مفاجئة لسعادة الوزير دون الإعلان عنها ليرى بنفسه ما يشكو منه الناس على الطبيعة، فليس من سمع كمن رأى، مع خالص التقدير ووافر التحية. • حكايات الناس • كل يوم نرى مآسي موجعة للروح، ونستطيع دون جهد عد أضلاع المحرومين من النعمة وقد صدمتنا البوصات الملونة بصور غارقة في الفاقة، ونحن غارقون في ترف يجعلنا نرمي أكثر مما نأكل، كل يوم نرمي أشكالاً لا تعد ولا تحصى من نعم يتمناها الغارقون في جحيم الجوع، ولا ننتبه إلى أننا يمكن أن نطعم قبيلة بحالها مما نستغنى عنه في سرف لا نظن أننا سنحاسب عليه، قد تمر (لا مؤاخذة) بأي كوم فضلات، في أي مكان، ستلاحظ أن في تلك المخلفات (خبز) ألقاه الناس مع فضلات طعامهم، أحياناً ترى الخبز (مكسر) وأحياناً كامل الاستدارة، ويكون خلاصنا منه بالقمامة إما بطراً لأنه (بايت) أو (تالف) بفعل إهمال حفظه، أو لأنه بقية ما أكل الآخرون، ولا يروق لنا لمس ما فاض من الآخرين أو أكل منه أحد وهنا تكون (الزبالة) أولى به، صديقتي الجميلة لها شأن آخر مع بقايا الخبز سواء المكسر أو الذي تلف سهواً، إذ كلما تجمع عندها خبز من هذا النوع وضعته في كيس، ثم تذهب به مع أحفادها إلى بحيرات (اسباير) حيث تقطعه صغيراً صغيراً ليطعمه الأحفاد للبط الهائم سابحاً فوق البحيرة، أو يلقونه للأسماك التي تقترب من الحافة لالتهامه ليضج الصغار فرحاً وسعادة وابتهاجاً، يوماً قلت لها (ما أطول بالك شايلة الخبز من بيتك لحد اسباير عشان تأكلي البط والسمك؟) ابتسمت ابتسامة طيبة وهي تقول: أجد في هذا العمل البسيط سعادة غريبة، ومن يدري فربما كتب لي بهذا الإطعام عمل صالح رجح كفة الميزان في يوم صعب نحتاج فيه إلى الإحسان!! • هل تعرفون أوجاع الحنين؟ سؤال لا يعرف وقعه على النفس إلا من اكتوى بمشاعر الشوق لأحبة فارقهم وفارقوه، تستطيع قطعاً أن تتصور الزحام، وصراخ الأطفال، وحالة الضجيج التي تجتمع في مساحة مركز تسوق، وتستطيع قطعاً أن تتخيل حجم ضغط العمل على أي كاشير يجلس أمام صندوق حاسبته مشدود الأعصاب، متخوفاً من أي خطأ سيكلفه كثيراً وهو يتعامل مع عشرات الآلاف بوقت وجيز، في هذا المشهد بأحد مراكز التسوق رأيتها تجلس أمام صندوقها تتسلم قيمة الفواتير وبتأن تعيد الباقي، لاحظتها، نحيلة، وجهها فارقته حيويته، عيونها خابية وكأنها باكية، عندما حان دوري لدفع فاتورتي سمعتها رغم كل هذا الضجيج والضغط العصي على الاحتمال تغني "آي نيد يو بسيد مي" أحتاجك إلى جانبي، مازحتها سائلة من هذا الذي تريدينه إلى جانبك؟ قالت حبيبي، عدت أسألها متزوجة؟ ردت وكأنها تفخر أنا أم لأربعة أطفال ثلاث بنات وولد كلهم في مانيلا مع أمي، حبيبي الصغير يعذبني فراقه، مازال يحتاجني، يوجعني حنيني له لكني أحتاج المال لأوفر لأطفالي طعاماً جيداً، وتعليماً جيداً، كل حرف قالته كان ينزف بأوجاع الحنين، وصلني جداً ما تقاسي منه وتتألم، إنها باختصار أم تتمزق حنيناً لوجه صغيرها الذي تفتقده، ربما لم يسألها أحد قبلي عن أحزانها، وضعتني في حالة شجن لكني ودعتها راضية ربما لإحساسي بأن حديثي السريع معها كان له وقع السلوى في نفس حزينة مغتربة. • ملاحظة: • في مقال الأسبوع الفائت بفقرة الطفلة التائهة التي سلمتها للبحث الجنائي وردت كلمة (المباحث الفيدرالية) والمكتوبة في أصل المقال (المباحث الجنائية) كلمة (فيدرالية) خطأ مطبعي لم اكتبه بمقالي، لذا لزم التنويه والاعتذار لمن يهمه الأمر. • طبقات فوق الهمس • ما لنا عندما نتصدق أحياناً نبحث عن أسوأ ما لدينا لنعطيه، هو جمع ألعاب أولاده المكسرة، الناقصة يد، ورجل، ورأس، وعجلة، وجهاز تشغيل وأهداها لأيتام جنوا بها فرحاً، في نفسي قلت ما ضره لو أسعد الأيتام بغير المكسور، والمبتور، والتالف؟ أتراه لا يحب أجراً ما خطر على بال بشر؟ • أعجبني جداً قول جواهر آل ثاني "للحزن وجه مبتسم لا يراه إلا المؤمن"!.. صدقت إذ كثيراً ما نضجر مما أصابنا فنشكو لطوب الأرض، وقليلاً جداً ما نسكت والحزن قاطع لنياط القلب واجدين أنساً حتى في الابتلاء! • قرأت إعلاناً يقول (للبيع قصر لعظيم، الوسطاء يمتنعون) توقفت عند العظيم، وهمس خاطري لنفسه أما علم (المعلن) بضم الميم ألا عظيم إلا الذي خلقه وخلق ساكني القصر الفخيم؟! • كثيراً ما يكون ردها على الهاتف بأن فلانة (المطلوبة) غير موجودة، أو في الحمام، أو نايمة، أو مشغولة في المطبخ، أو عندها ضيوف، رغم أن فلانة المطلوبة تجلس على بعد خطوات منها!.. أترانا ندرك أن هذه الأنواع من الكذب محسوبة علينا، وأنها من أبشع صور تمرين الصغار على الكذب عملياً بالصوت والصورة، على اعتبار أنه إذا كان رب البيت بالدف ضارباً.. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص!! • تجرؤوا على منع طالبة محجبة من دخول قاعة الدرس، فهذا ما يناسب عاداتهم، (مفيش حاجة تتغطى) أما نحن فلم نجترئ ونوقف مساخر الملابس الفاضحة والشورتات، والمايوهات، وعري الصدر والظهر في المجمعات والكورنيش والشارع، لأن ما تقدم لا يناسب ديننا أولاً قبل عاداتنا وتقاليدنا، أليس الأمر يدعو للعجب؟ • يقول الشاعر: دقات قلب المرء قائلة له.. إن الحياة دقائق وثواني، نعرف كم مضى، لكن كم من العمر بقي على انتهاء الرحلة؟ سؤال يسأله الخائفون كل لحظة فيحسنون إعداد الزاد.