28 سبتمبر 2025
تسجيلفي زحام الكلام وكثرة الآراء وتحليل الأخبار حول ما يجري في سوريا من أحداث جسام تشيب لهولها الولدان وفي غمار المتابعات الساخنة والباردة لهذا المشهد الملتهب على الدوام دون أي توقف ولو فيما سمي بهدنة عيد الأضحى التي طرحها الإبراهيمي وأفشلها اللانظام السوري، لأن فيها وفي مثلها تشييع جنازته إلى الأبد، ولذلك فإن الجزار بشار تجاوز جميع الخطوط الحمراء محليا وإقليميا وعالميا مستأسدا بإيران وروسيا خصوصا، ذاهبا من أسوأ إلى الأسوأ بجنون هستيري فوق الوحشي محاولا تبديد أوهام فنائه ومع تحدثه لقناة روسيا اليوم عن نهايته في سوريا حيا أو ميتا ومع تعدد المؤتمرات المختلفة الداعية إلى إسقاط نظام براميل البارود والتي كان آخرها مؤتمر الدوحة في قطر بالمبادرة الوطنية التشاورية بين أطياف المعارضة حيث انتهى الأمر إلى تشكيل ائتلاف وطني لقوى الثورة والمعارضة يكون المجلس الوطني السوري فيه ركنا أساسيا باثنين وعشرين مقعدا من أصل ستين للكيانات الثورية والسياسية الأخرى للوصول إلى حكومة مؤقتة يعترف بها وقيام القيادة المشتركة العسكرية في الداخل بدورها وإنشاء صندوق دعم الشعب السوري وتنصيب لجنة قضائية للضبط والربط، ومع تحليلات مراقبين منحازين أو محايدين بين معتبر أن هذا الاتفاق إنما نهض على ساقيه بسبب ضغوط غربية وعربية، وبين ناف لذلك بسبب توجه معظم المعارضة إلى حل شبه شامل يخفف معاناة السوريين ويحمي المدنيين ويعزز قوة الجيش الحر على الأرض ليسقط النظام بيد الشعب نفسه دون تدخل خارجي ومع أي قراءات لاتجاه بوصلة الصراع سوريا وعالميا اليوم، خصوصا بعد انتخاب أوباما للولاية الثانية وماذا عسى أن يبرز فيها من جديد أو لا يبرز بحيث تبقى أمريكا في دور المراوح لا المتحرك الفعال حماية لإسرائيل وتحقيقا للتوازنات الدولية وليس جريا مع المبادئ الأخلاقية وصيانة لحقوق الإنسان... مع كل هذا الزخم المتعاظم ظاهريا والمتكتك حقيقيا يغفل الأكثرون الجانب الإنساني السيئ جدا والمتفاقم كل يوم في المشهد السوري لأوضاع الناس الهاربين والهائمين على وجوههم في الداخل تحت ظروف مأساوية لا قبل لأحد بها أو الفارين بثيابهم إلى الاحتماء تحت الأشجار والمخيمات التي لا تليق من حيث المأوى بالبشر هيكلا وخدمة وتنظيما مع الاكتظاظ المخيف سواء كانت داخل الأراضي السورية المحاذية لدول الجوار أو كانت مما قامت به الدول الملاصقة داخل أراضيها مثل تركيا والأردن، إن ثمة غرقا في التقصير الذريع حيال الوضع الإنساني لأكثر من أربعة ملايين ممن نزحوا عن مواقعهم جراء جنون القاذف الأسدي "أبو البراميل" قاصف الشعب وممتلكاته برا وجوا وبحرا حتى إن الصليب الأحمر الدولي صرح قبل ثلاثة أيام أنه أصبح عاجزا عن إيصال المساعدات التي قد تنقذ السوريين من الهلاك المحقق بسبب ضخامة المأساة في هذه الحرب الناشبة بإرهاب حكومي ممنهج وبسبب عدم السماح لها بالتحرك داخل المدن والبلدات ونهب ما لديها من مواد إغاثية عامة وخدمات بسيطة إسعافية للجرحى المدنيين.. لقد ساقتنا الأقدار إلى بعض المخيمات وأماكن من المشافي العادية في الداخل فرأينا وأحسسنا كم هو الإهمال بمشيئة أو لا مشيئة تجاه هؤلاء المعذبين البؤساء من شيوخ ونساء وأطفال وعجزة ومعوقين وجرحى وكم هو القصور الخطير في هذا الجانب الأهم في المشهد السوري. إن خدمة هؤلاء المساكين المغلوبين على أمرهم فرض عين على كل إنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم ولكن نحن العرب والمسلمين من يقع على كاهلنا الجانب الأكبر في أداء هذا الواجب الإغاثي والتعاون الوثيق لإنجازه حماية للأنفس والأعراض، وإن كلا منا آثم بتقاعسه عن الإسراع في ذلك خصوصا الحكام الذين أصبحنا نسمع من أكثرهم جعجعة ولا نرى طحنا، بل إن جمع بعضهم باسم الشعب معونات مالية فإنه لا يؤدي منها إلا أقل القليل على حجة أنه يشتري بالمال مواد عينية فقط لإغاثة المحتاجين والمهجرين، علما بأنهم بأمس الحاجة إلى بعض المال لتغطية ضروريات أسرهم، لقد زرنا أحد المخيمات مثلا وكان يضم سبعمائة خيمة تحوي أربعة آلاف من بني آدم الذين كرمهم الله تعالى، فرأينا وضعا مزريا للغاية، الأكثرون بلا فرش وبطانيات والأطفال بلا حليب ولا فوط والماء شحيح جدا للشرب أو الوضوء والنظافة، حتى أنه مر يومان على القوم كانوا يتيممون للصلاة ومع حاجتهم إلى خمسة عشر صهريجا من الماء لم يستطيعوا شراء غير اثنين مع أنها كلها لا تكلف ماليا في اليوم إلا ألفا ومائة ريال قطري ما يساوي ثلاثمائة دولار يوميا، أما الخبز فحدث ولا حرج عن قلته، وقد اتفقنا مع قرية مجاورة لبناء فرن سينتهي بعد أسبوعين إن شاء الله، وحين ذكرنا لجمعية قطر الخيرية ذلك وهم مع بقية المؤسسات الخيرية في قطر يعملون بحماسة قدر الإمكان ولكن المصاب أفدح وأكبر، وقد قامت الجمعية بالاتفاق مع متبرع محسن جزاه الله خيرا لتحويل ألفين وخمسمائة طن من التمور إلى أهلنا في المخيمات، وقلنا إنه إذا وجد الماء والخبز والتمر والغطاء والكساء والدواء فإننا قد نحفظهم من الموت والمرض خصوصا الأطفال لاسيما وأن فصل الشتاء ببرده وصعوبته قد بدأ، فأين أهل الدين والعروبة والنخوة والإنسانية والشفقة والرحمة والرأفة والرقة والشعور الأخوي في العالم، إننا كما نستنكر موقف إيران التي تقتل أبناءنا بفتاواها دعما لنظام الطاغية فإننا آسفون أن نستنكر على العرب والمسلمين قتلنا المستمر بإهمالهم، نحن - والحمد لله- مليار ونصف المليار مسلم في المعمورة، لو نظمنا خطتنا وأدى كل واحد منا ريالا واحدا في الشهر لاستطعنا أن نجمع مليارا ونصف المليار شهريا، وعندها لن نحتاج إلى الإعانة والخدمة من صليب أحمر دولي ولا من حكام عرب ومسلمين لم يستطيعوا إلى هذه اللحظة أن يغطوا حتى مع التجار والمحسنين أكثر من خمسة بالمائة من المطلوب، هل يمكن أن يصدق أحد أن هذا المخيم كمثال ليس فيه إلا دورتين للمياه كحمامات لقضاء الحاجة! أما من لم يسعفه الحظ وهرب بأسرته من القصف فمأواه كما رأينا تحت شجر الزيتون وغيره، ووالله لقد أبكانا مشهدهم من القلوب قبل العيون لقد التف حولي قرابة مائة من معرة النعمان واقفين يطلبون بإلحاح وبصوت عال طعاما وخيما تؤويهم وازدحموا علي وأخذ ولد صغير مميز بيدي اليمنى متعلقا فأمرته أن يجلس ولكنه أبى وقال: يا عم لا لا، أريد أن آكل، أنا جوعان كثيرا فكواني الألم وجلست وجلسوا ووفقني الله بما أحمل من معونة مالية أن تغطي حاجتهم مدة يومين من المياه والخبز والخيم والضروريات حتى سكنوا ولكن المأساة والمعاناة مستمرة وفي كل يوم يتعاون معنا بعض المحسنين فرديا مع أن الشأن يحتاج إلى دول ومنظمات ضخمة لسد أهم الضروريات لديهم، لقد زرنا أكثر من ثمانية مخيمات ولكنني ضربت مثالا بسيطا لواحد منها والبعض أقل سوءا والآخر أشد. أما عن وضع الجرحى المأساوي وضعف الخدمة في هذا الجانب فحدث ولا حرج مما يحتاج إلى تفصيل كبير في وقت آخر. والذي أريد أن أختم به مقالي هو التأكيد على أن إنقاذ النفس البشرية فرض عين وهو من أولى الأولويات لمن يظن أن عقد المؤتمرات أولى منها، وإنني أؤكد أنه بتكاليف مؤتمر واحد منها يمكن أن نغطي الكثير الكثير إنسانيا، ولن يرحم الله ولا التاريخ كل من يلعب بنا في هذا الجانب ليرغمنا على القبول بالوضع الراهن وأن يتاجر باسمنا، فالذي رأى المجاهدين في الداخل والشعب الملتف حولهم والجيش الحر يدرك أن هؤلاء لن يهزموا أبداً وأن العار والشنار هو ما سيلاحق أولئك المجرمين الكبار الذين يدمرون العباد والبلاد هم وشركاؤهم الأباليس من الغرب والشرق إلى أن يرميهم في مزبلة التاريخ. فيا أيها الشرفاء أهل النخوة، إن فشل العالم سياسيا في نصرة إخوانكم في سوريا فانجحوا في دعمهم الإنساني في كل مجال وأنتم الرابحون دنيا وآخرة، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.