16 سبتمبر 2025

تسجيل

الإسلاميون والاعتراف الغربي بهم

12 نوفمبر 2011

لعل اللافت في خضم كل هذا الضجيج السياسي في الشوارع العربية هو الموقف الغربي المستجد تجاه "الإسلاميين" . فلم يكن أحد منا يتوقع قبل ولادة الربيع العربي أن يصل الغرب لقناعة أن من حق الإسلاميين كغيرهم من الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة في العمل السياسي انتخاباً وترشيحاً وحكماً. فقد ظلّ الغرب ولعقود طويلة متواطئاً مع الأنظمة العربية في تصنيف الإسلاميين ، فهم لا يستحقون الثقة وليس من حقهم الوصول الى الحكم حتى لو كان الشارع برمته في صالحهم ، والسبب هو الشعارات المستفزة للغرب التي رفعها الإسلاميون دوماً. لقد كانت هذه الشعارات كافية للغرب أن يقبل بالتواطؤ مع الأنظمة الديكتاتورية في عالمنا العربي في تشويه صورة الإسلاميين ، ووضعهم جميعا في خانة واحدة هي الإرهاب ، وأن يبالغ من حجم خطرهم بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 ، الأمر الذي سمح للنّظم العربية التمادي في قمع شعوبها وسلبها ما تبقى من حقوق سياسية بحجة حمايتها من العدو الإفتراضي داخلياً وخارجياً. ربما كان الغرب بحاجة إلى "الربيع العربي" لإداراك حجم الخطأ الذي أوقع نفسه فيه، والذي بسببه استحق هذا الكمّ من الكراهية في العالم العربي لتعامله مع أنظمة لا تملك الحد الأدنى من الحس الإنساني في تعاطيها مع محكوميها الذين سُحقت كرامتهم تحت أحذية حكامهم ، فعاش الشعب واقعاً مأزوماً عقيماً لا يقدر على الولادة . كان الإسلاميون ولعقود عدة إرهابيين غير جدرين بالثقة ولا يملكون اية حقوق سياسية طالما انهم يقبلون بممارسة الديمقراطية لمرة واحدة فقط فإذا ما وصلوا الى الحكم انقضوا على الديمقراطية وحرموا المرأة من حقوقها التي أكسبتها إياها المدنية الحديثة ، فما الذي طرأ على هذه المسلمات حتى يرحب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه حركة النهضة الإسلاميى على فوزها في الانتخابات التونسية ، وبلاده هي أول دولة غربية انقضّت على فوز الإسلاميين في الجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي ودعمت انقلاب الجيش على الديمقراطية ؟! وليس ببعيد عن الموقف الفرنسي ذاك الموقف الذي اتخذته واشنطن تجاه الإسلاميين وهي التي حذرت لسنوات طويلة من وصول الإسلاميين للحكم ، فقد جاء على لسان وزيرة الخاريجية الأمريكية هيلاري كلينتون تقول ان بلادها مستعدة للتعامل مع الإسلاميين في تونس مؤكدة ان "العديد من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في العالم تنخرط طبيعيا في لعبة الديمقراطية" . كلام كلينتون الذي جاء قبل أيام قليلة امام "أن دي أي" - وهو مركز للدفاع عن الديمقراطية - كان لافتاً فيه اعترافها الضمني بمسؤولية بلادها تارخياً في دعم الديكتاتوريات في العالم العربي وان لم تصرح بذلك بشكل واضح وعلني ، فقد قالت كلينتون وهي تتحدث عن تعامل بلادها مع الدكتاتوريات في المنطقة : "طوال سنوات، قال الطغاة لشعوبهم إن عليهم أن يقبلوا بهم لتحاشي المتطرفين، وغالبا ما كنا نحن أنفسنا نقبل هذا المنطق". أما وقد بدأ العالم الغربي بإعادة النظر في حكمه على الإسلاميين ، حتى قبل ان يرى ما إذا كانوا سينجحون في حكم بلدناهم ، فإن الخشية أن يكون الغرب يراهن على خلق إسلاميين جدد لا يعرقلون مصالحه في العالم العربي حتى لو كانت على حساب حقوق شعوبهم . وفي مقابل المواقف الغربية المستجدة ، فإن النظم العربية الرافضة للتغيير والإصلاح تحاول ان تجاري التغييرات الحاصلة من خلال الترويج لتصنيف جديد للإسلاميين ، مختلف الى حدّ ما عن التصنيف الذي ساد خلال السنوات الماضية ، حيث يقسم التصنيف الجديد الإسلاميين الى فسطاطين ، فسطاط على شاكلة العدالة والتنمية التركي الراغب بالإنضام للإتحاد الاوروبي والمتعايش مع دولة اسرائيل وفكرة وجودها ، وبين إسلاميين ممانعين للمصالح الغربية ، مقاومين لوجود إسرائيل في المنطقة . وبين غرب يريد التصالح مع الإسلاميين الوافدين إلى الحكم بفعل الديمقراطية ، وبين أنظمة قائمة تلعب ورقة الإسلاميين من جديد من خلال تقسيمهم بين "إسلامي - صناعة غربية" يتآمر مع الغرب لرسم المنطقة من جديد ، وبين "اسلامي - صناعة وطنية وقومية " يتساءل المرء ما إذا كان الإسلاميون سيسمحون من جديد، لأي كان، أن يتعامل معهم كورقة قابلة للتفاوض حولها !.