19 سبتمبر 2025

تسجيل

بانتظار طوفان نوح

12 أكتوبر 2023

لا أظن مسلماً مؤمناً لم يبتهج لانتصارات كتائب القسام فجر السبت الفائت.. فإن أضعف الإيمان في مثل هذه المواقف من زمن عربي مسلم متهالك ومتخاذل، هو أن يفرح المسلم لأي إنجاز يكسر شوكة وكبرياء وغطرسة ملة الكفر، التي توحدت وتوحشت، وهذا ما تم قبل أيام ولله الحمد. طوفان الأقصى، اسم سيخلده التاريخ العربي المسلم، وسيكون اسماً بارزاً خالداً لواحدة من معارك المسلمين ضد غطرسة بني صهيون، الذين ما تعملقوا وتوحشت قلوبهم إلا بما كسبت أيدينا، أو بما اقترفناه في حقوق البلاد والعباد من مظالم بين بعضنا البعض، إضافة إلى بُعدٍ أو ابتعاد متدرج بدأ بطيئاً حتى تسارع مؤخراً، عن منهج الله والصراط المستقيم. وبالتالي صارت وحشية بني صهيون والهندوس وبعض عباد الوثن والحجر، كأنما عقوبة إلهية أولية لأمة المسلمين على ما فرطت في دينها ومنهجها الإيماني. لقد تابع الجميع وشاهد كيف صار النفاق واضحاً في أمة المسلمين، وإلى أي مدى من الهوان والذلة وصلتها. وبعد أن كانت أحداث فلسطين تحرك الشارع المسلم من جاكرتا حتى طنجة، انحسرت تدريجياً حتى صارت من صنعاء إلى طنجة.. وعلى هذا المنوال طوال خمسة عقود، حتى تدهور الوضع العربي المسلم فصارت أحداث الأقصى لا تحرك سوى جموع قليلة متناثرة هنا وهناك، وهذا ما لاحظناه في أحداث طوفان الأقصى المستمرة حتى يوم الناس هذا، على عكس ما يحدث مع دولة الاحتلال الصهيوني، والدعم اللامنقطع لها من الغرب وبعض الشرق، دولاً ومؤسسات وأفراد ! الهدف ليس فلسطين لن نخوض في تفاصيل الأحداث، فهي ما زالت جارية ويتابعها العالم ليلاً ونهارا، ولا تتوقف سيل الأفلام والصور والأخبار والتحليلات حولها، لكن الذي لا يمكن تجاوزه هو ذاك النفاق الغربي، السياسي منه والإعلامي، الذي كثيراً ما كان يتستر تحت أغطية وواجهات حقوق الإنسان والحريات والديمقراطيات في الترويج لنفسه كراع للتقدم والتحضر، فإذا هو أساس البلاء المستمر على أهلنا في فلسطين عامة، وغزة بشكل خاص. ذلكم جانب أول في الأحداث. أما الجانب الثاني، فقد تأكد للقاصي والداني، كم هي أمة العرب تحديداً تخسر بارتمائها في أحضان الغرب والشرق، والاستمرار في ظلم نفسها بابتعادها عن دينها ومنهج حياتها. فلا الارتماء في أحضان المعسكرات الغربية أفادتها، ولن يكون كذلك التطبيع مع عدو يعترف بعداوته لك، يفيدها. كما أنه لن يكون إظهار التحضر للعالم، عبر الانسلاخ من الدين وقيمه وحضارته، طريقاً للقبول في أنديتهم ومعسكراتهم. أثبتت أحداث طوفان الأقصى أن الهدف ليس الفلسطينيين فحسب، بل المسلمين أو أمة الإسلام ككيان، والذي طالما أزعج الغرب ظهوره قبل ألف وخمسمائة عام، وصموده رغم كل مؤامرات ومكائد الغرب والشرق المشرك على حد سواء، ورغم كل حروب الإبادة وحملات التهجير والشيطنة.. مخلب قط متوحش الصهيونية تثبت للعالم كل حين أنها تركيبة متوحشة، أو مخلب قط متوحش يستخدمه الغرب في إدارة مصالحه بالمنطقة، وتحديداً الولايات المتحدة، من بعد أن أنشأتها ورعتها وحافظت عليها حيناً من الدهر، زعيمة الاستعمار في عهد مضى، بريطانيا، أساس كثير من الأزمات في عالم اليوم. معارك طوفان الأقصى أنعشت الروح الإسلامية، ورفعت بعض الهمة، وأن هذه الأمة رغم كل الدسائس، قادرة على أن تصمد وتستمر وتقاوم ولو بالقليل القليل. ولقد شاهد العالم بذهول كيفية انهيار الصورة الذهنية للجيش الصهيوني في ساعات قليلة أمام ثلة قليلة مؤمنة، بأسلحة خفيفة لا يمكن مقارنتها بما لدى العدو. لكن الفارق هو امتلاك رجال القسام الإيمان، وهو السلاح الأقوى أو السلاح الغائب المغيّب عن مواجهات أمة الإسلام مع الأعداء، وإن تبدلت أشكالهم وصورهم. طوفان الأقصى لحظة تاريخية تحتاج إلى حُسن استثمار، قبل أن يعبث في فكرتها ومضامينها، الذئاب المنتشرة هنا وهناك، بمعية نخب من صهاينة العرب، التي ساءتها بعض الفرحة التي ألقتها معارك السبت الفائت في نفوس المسلمين حول العالم. إذ لم تقف رسائل التشكيك في أهداف عمليات القسام، وزادت من رسائل التثبيط والإرجاف من أجل التأثير بالنفوس المسلمة، وأمست تشعل نيران كراهية جهاد الصهاينة في النفوس، وتأجيجها على رجال القسام عبر اتهامات زائفة مزيفة، ونشر أخبار مضللة كاذبة، لمزيد تأثير على مصداقية حماس ورجالها. إننا اليوم أمام مشاهد كما لو أننا في أيام معركة الخندق الخالدة. يوم أن تجمع الآلاف من المشركين ويهود الجزيرة لضرب الإسلام والمسلمين، بمعية جيش من المنافقين المرجفين. اليوم تتكرر كل تلك المشاهد. حيث التكاتف الصليبي الصهيوني الهندوسي وغيرهم من مشركي العالم. الدور الشعبي المطلوب دورنا كشعوب في هذه اللحظات التاريخية الحرجة، دعم المقاومة بكل ما أوتينا من قدرات ومهارات وقوة. فمن عنده ملكة الخطابة يخطب في الناس، يشرح لهم الوضع بفهم دقيق لما يجري. ومن يملك مهارات الكتابة والتغريد فالأمر بالمثل، والأمر يشمل كل صاحب مهارة في صناعة محتوى إعلامي هادف حول القضية وبكل اللغات الممكنة. كذلك الجانب التقني له أهميته من خلال الحروب الإلكترونية ضد مؤسسات العدو ومسانديه، بالإضافة إلى الخروج في مسيرات سلمية في كل بقعة ممكنة بالعالم، مع أهمية الدعم المالي بصوره المتنوعة. إن تجمع الأحزاب هذا يجعلنا نستذكر ما قاله الصحابة الكرام يوم الخندق كما جاء في القرآن ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب، قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليما ). نعم إن هذا التجمع الصليبي الصهيوني المشرك ربما بشارة لفرج قريب بإذن الله، لكن بشرط الثبات، كي يرد الله ( الذين كفروا بغيظهم ) ولا ينالون خيراً مما يحدث، مع أمل في الله كبير، أن يلحق بطوفان الأقصى، ما هو أشد على ملة الكفر، كطوفان نوح - عليه السلام - يمسح الأرض ويزيل عنها أهل الشر والفتن. نعم إن أهل غزة في ابتلاء شديد، وهم دون شك تزلزلوا زلزالاً شديداً كما الصحابة يوم الأحزاب. لكن الأشد من الزلزال الصهيوني العسكري المتوحش، فتن المنافقين والمرجفين من حولهم وهم كُثُر، بل يتكاثرون كل ساعة، خاصة في أوقات الشدة، سواء في غزة ذاتها أو خارجها في فلسطين وما جاورها من جغرافيات. خلاصة ما يمكن القول في هذا السياق، أننا نحسب غالبية أهل غزة ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) خرجوا لإحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة. فلا أقل إذن، وهذا حال مجاهدي غزة، أن نتكاتف معهم بالدعاء، ودحض إرجافات وتثبيطات المنافقين، وبيان الحقائق للعالم وكشفها، سياسياً وإعلامياً، فالتحدي الراهن أو المعركة الحالية ليست عسكرية فحسب، بل توسعت لتكون سياسية إعلامية شعبية وبشكل غير مسبوق. فلنكن إذن على قدر التحدي. والله كفيل بكل جميل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.