11 سبتمبر 2025

تسجيل

وإن أُعجبتَ..!

12 أكتوبر 2020

من صُنَّاع الحياة علماً وعملاً ونصحاً وإرشاداً وتربية ودعوة وإصلاحاً ونفعاً للعباد، إمام موسوعي من أهل قرطبة أحد مواطن الحضارة الإسلامية - آنذاك - تاريخاً ومجداً وقيادة - إنه العَلَم الفقيه أبو محمد علي بن أحمد الأندلسي رحمه الله - كانت حياته خدمة لدينه وأمته امتدت في اثنتين وسبعين سنة من عمره رحمه الله، قال عنه الإمام أبو القاسم صاعد بن أحمد رحمه الله "كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة". وما أروع ما جاء في مؤلفه القيّم "الأخلاق والسِير في مداوة النفوس"، ففيه من الرسائل والنوافذ الإيمانية والتوجيهات التربوية، والأخلاق والقيم العملية، والإشارات لإصلاح وتهذيب النفس، وتقويم الأعمال وإرشادها للصواب، للسير على منهج الله تعالى وهدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإبعادنا عن كل ما يشين واقعنا، تمكننا من فقه حركة الحياة أفراداً ومجتمعات، فمن هذه الرسائل التي أوردها في كتابه: * "وإن أُعجبت بآرائك، فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها، وفي كل رأي قدَّرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك، وأصاب غيرك، وأخطأت أنت". * "إن أُعجبت بعملك، فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك، ويعفي (يزيل ويمحو) على حسناتك، فليطل همك حينئذ، وأبدل من العجب تنقصاً لنفسك". * "وإن أُعجبت بعلمك، فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، وأنه موهبة من الله مجردة، وهبك إياها ربك تعالى، فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله يُنسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، توّلد عليك نسيان ما علمت وحفظت". * "وإن أُعجبت بشجاعتك، فتفكر فيمن هو أشجع منك، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيم صرفتها، فإن كنت صرفتها في معصية، فأنت أحمق". * "وإن أُعجبت بجاهك في دنياك فتفكر في مخالفيك وأندادك ونظرائك، ولعلهم أخساء وضعفاء سُقَّاط، فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه". * "وإن أُعجبت بمالك، فهذه أسوأ مراتب العجب، فانظر في كل ساقط خسيس هو أغنى منك، فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت". * "وإن أُعجبت بحُسنك، ففكر فيما يولد عليك مما نستحي نحن من إثباته، وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السن". * "وإن أُعجبتَ بمدح إخوانك لك، ففكر في ذم أعدائك إياك، فحينئذ ينجلي عنك العُجب". * "وإن أُعجبتَ بنسبك، فهذه أسوأ من كل ما ذكرناه، لأن هذا الذي أُعجبت به لا فائدة له أصلاً في دنيا ولا آخرة، وانظر هل يدفع عنك جوعة، أو يستر لك عورة، أو ينفعك في آخرتك؟". * "فإن أُعجبتَ بولادة الفضلاء إياك، فما أخلى يدك من فضلهم إن لم تكن أنت فاضلاً، وما أقل غناهم عنك في الدنيا والآخرة إن لم تكن محسناً". * "وإن أُعجبتَ بقوة جسمك فتفكر في أن البغل والحمار والثور أقوى منك وأحمل للأثقال". * "وإن أُعجبتَ بخفتك فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب، فمن العجب العجيب، إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق". "ومضة" وإن أُعجبت بكرسيك فانظر فيمن رحل عنه سواءً أكان حياً بينك الآن، أو من غادر الحياة، ما هي آثاره حفظ أم ضيّع؟!، إنها دروس "وإن أُعجبتَ" لا تنتهي ولك أيها القارئ أن تزيد. [email protected]