31 أكتوبر 2025
تسجيلهذا سؤال بدأ يتردد الآن في المجالس والمنتديات وساحات النقاش المختلفة، بعد أن وصلت أزمة الحصار إلى الشهر الرابع، دون أي مؤشرات إيجابية تدل على نهاية قريبة لها. السؤال يتردد بعد أن قرب موعد انعقاد القمة السنوية لرؤساء دول التعاون الخليجي والمقرر عقدها ولحسن الحظ، في دولة الكويت التي ترعى عملية الوساطة بين أطراف الأزمة.. السؤال بكل وضوح يدور حول قطر أكثر من غيرها من دول التعاون.. هل تخسر قطر بخروجها من المنظومة الخليجية؟ علماً بأن مسألة الخروج هي مسألة قطرية خالصة، باعتبار أن ذلك القرار يعود إلى الدوحة فقط، ولأن الآلية المتبعة في المجلس لإخراج أو تجميد عضوية دولة من دوله، تحتاج إلى الإجماع الذي لن يحدث ما لم ترغب الدوحة في ذلك، ما يعني أن القرار قطري بحت. وليس هذا هو موضوعنا اليوم، بقدر ما هو حول الآثار السلبية التي قد تلحق بقطر فيما لو وقع هذا السيناريو على أرض الواقع، وأقصد خروج قطر من مجلس التعاون الخليجي بعد أكثر من 36 سنة على ظهور المنظومة في المنطقة. اتفقنا إذن بأن أصح ما يمكن أن يقال عن قرار إخراج قطر أو تجميد عضويتها بالمجلس، أنه قرار قطري. لكن سنتحدث بفرضية أن الدوحة اتخذت قرار الخروج لأي سبب من الأسباب، والأسباب الداعية للخروج كثرت وتنوعت، ونبدأ نتخيل هذا السيناريو.. فماذا يمكن أن يحدث أو ماذا يمكن أن تخسر قطر، وماذا تكسب أيضاً من الخروج، باعتبار أن المسألة ليست سوداوية قاتمة وسلبية، بل لابد أن هناك إيجابيات.. إذن وعلى افتراض خروج قطر من منظومة التعاون الخليجي باختيارها، وبقاء الدول الأخرى وعلى رأسها الكويت وعمان، فإن السلبية الكبيرة المتوقعة من هذا الخروج ستتمثل في خسارة الدعم السياسي والمعنوي من الكويت ومسقط، على اعتبار أن الوساطات الحالية لهما إنما بسبب وقوع الأزمة في البيت الخليجي، والمفترض أن يتداعى جميع من في هذا البيت لاحتواء الأزمة. لكن بخروج قطر لن تكون مواقف الكويت وعمان بتلك القوة التي هي عليها حالياً. هذا أولاً، ومن ثم ثانياً ستبدأ الدولتان تنشغلان بأنفسهما، والاستعداد لسيناريوهات مشابهة لحصار قطر، والتي أكاد لا أشك لحظة في رغبة الثلاثي الخليجي إعادة تطبيقها مع عضو خليجي آخر غير مريح لهم، والمتمثل في الكويت، ومن ثم التفرغ بعد ذلك لعمان.. المسألة بطبيعة الحال ليست بالسهولة التي نكتبها على الورق. لكن من الناحية النظرية، هناك أدلة ووقائع تفضح رغبة الثلاثي في تكرار سيناريو حصار قطر مع الكويت وبعدها عمان، لأسباب كلنا يعرفها وخلاصتها أن أولئك الثلاثة يسيرون معاً في درب معين، فيما الثلاثي الآخر المتمثل في قطر والكويت وعمان، في درب شبه معاكس، لا تسر الشقيقة الكبرى تحديداً ومعها أبوظبي. السلبية الأخرى فيما لو خرجت قطر من منظومة التعاون الخليجي طواعية، تكمن في سهولة انفراط العقد الخليجي، أو تفكك هذه المنظومة العربية الباقية التي قاومت وتماسكت طوال أكثر من 35 عاماً، وهذا الأمر بشكل عام لا يسر له أي عربي مسلم، في وقت يتعاظم فيه دور وأهمية التكتلات في العالم، سواء السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية. أكاد لا أجدُ سلبيات أخرى واضحة مؤثرة لو خرجت قطر من التعاون الخليجي، على اعتبار ضعف المنظومة أساساً. إذ لن يؤثر خروج أي عضو منها وليست قطر فحسب، لأن المنظومة فشلت في بناء وصناعة مشروعات تدعم وحدتها وتماسكها منذ أن ظهرت. فلا سوقا مشتركة قامت، ولا عملة موحدة أو سياسة خارجية واحدة أو اتحادا جمركيا واحدا، أو شبكة مواصلات واحدة تصل الدول ببعضها، أو غيرها من تلك المشروعات التي رأيناها نظرياً على الأوراق، ولم تر النور بعد، بل لا أظنها سترى ! بالمقابل نجد أن الخروج من مجلس التعاون قد ينتج عنه بعض الإيجابيات، وهي التي دفعت بالكثير من القطريين لحث الحكومة على الإسراع بالخروج. فقد تبين كم كانت التضحيات القطرية كبيرة وكريمة مع دول التعاون الخليجي، رغبة في دعم التكامل والعمل المشترك والمحافظة على تماسك المنظومة. فقد فتحت قطر أسواقها لكثير من الاستهلاكيات القادمة من السعودية والإمارات، على الرغم من قدرة قطر الاعتماد على ذاتها في إنتاج وصناعة تلك الاستهلاكيات، ولكن رغبة منها في عدم الازدواجية والتأثير على الأشقاء العاملين بنفس المجالات، كان القرار هو التوجه نحو مجالات أخرى. والأمثلة على ذلك كثيرة. الخروج سيعني كذلك، التوجه نحو الداخل وبشكل مركز مكثف ومتنوع، من أجل بناء وترسيخ مفهوم الاعتماد على الذات قدر المستطاع، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في المأكل والمشرب والملبس والدواء، وخاصة إذا علمنا بأن كل مقومات الاكتفاء الذاتي كانت وما زالت متوفرة، وكان المفقود الوحيد في ذلك المشروع هو القرار أو الإرادة السياسية. على الرغم من أن الحصار دفع بقطر نحو تفعيل هذا المشروع، ورأينا الكثير من المؤشرات الدالة على ذلك، إلا أن الخروج من تبعية والتزامات وضغوطات عضوية مجلس التعاون، سيساهم في تسريع وتيرة الاعتماد على النفس، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي في كثير من المجالات، وبهذا الخروج سيفتح المجال واسعاً لاستثمار الكثير من الطاقات والموارد التي كانت معطلة بسبب الاعتماد على الآخرين، ليس تكاسلاً وإهمالاً بقدر ما كان رغبة في دعم أولئك الآخرين ضمن المنظومة.. لكن رغم كل تلك التضحيات وللأسف، والتي أبى أولئك الاعتراف بها، حدث ما حدث من حصار ظالم جائر غير مفهوم ولا مبرر. الأمر الذي لم يكن لقطر من بد، سوى التخلص من تلك الاتكالية التي نشأت في ظل منظومة التعاون، والاعتماد على الذات والتحرك بحرية أكبر وأوسع مع العالم، الذي وإن نقصت منه أربع دول متأزمة، إلا أن هناك مازالت أكثر من 190 دولة، يمكنك التحاور والتفاهم والتعاون معها، وفي ذلك الخير، بل الخير كله. لن نستعجل الأمور، على الرغم من كل ما جرى وما زال يجري من الثلاثي الخليجي تجاه قطر، ذلك أن أمام المنظومة الخليجية فرصة أخيرة للمحافظة على كيانها من التفكك، وذلك عبر حضور كامل للقمة القادمة بالكويت مع رغبة جادة في تفكيك كل الخلافات والأزمات البينية، وإن غياب أي عضو أو التقليل من مستوى التمثيل، سيصاحبه نتائج غير سارة للجميع.. أرجو الله في الختام أن يصلح ذات البين، ويهدي الجميع إلى سواء الصراط. إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.