13 سبتمبر 2025
تسجيل* أوجاع كثيرين سببها الحيرة بين ما يريدون وما يستطيعون، بين أحلامهم الجميلة، وواقعهم المؤلم، بين كل ما تشتهيه نفوسهم والموجود في جيوبهم!! التضاد بين كل ما تقدم يعمق الحيرة، ويزيد الارتباك، ويدفع لإحباط قد يجهز على صاحبه باعتلال صحته، ويظل المطلوب للسلامة وتسيير الحياة المواءمة بين الممكن والمستحيل لنعيش على الأقل حياة بلا منغصات أو نكد، مهم جداً أن ننتبه ونحن نحلم لمستوى سقف أحلامنا حتى لا تهرسنا الحيرة بين "اللي في نفسنا، واللي في جيوبنا"، مهم ألا نتعارك مع الحياة لأنها لم تعطنا كل ما نريد، وأول الحلول العملية لأزمة كل ما يعلو قامتنا من أمنيات أن نجرب الإحساس بمفردة اسمها الرضا، إذ هي الوحيدة التي ستمنع احتراق دمك وأنت تتمنى أن تشتري سيارة كسيارة جارك، أو تمتلك شقة كشقة صديقك، أو تقتني ما يقتنيه قريبك ولا تمسك في الحقيقة من كل هذه الأحلام إلا الهواء"!الرضا بالحال دواء لكل المهمومين بالتطلع إلى سقف أعلى من رؤوسهم وإلى كل محال، هذه ليست دعوة لتثبيط الهمم، أو مخاصمة الأمل، أو تكميم الأماني إذ فينا من يعرف حقيقة قدراته أو إمكاناته المحدودة ويرجو القفز فوقها ليصبح فوق مبنى الإمبايرستيت، وإلا فهو غاضب أبداً من الحياة، لائم عليها، لا يرى نعمة على غيره إلا وصرخت نفسه الناقمة (جتنا نيلة في حظنا الهباب) وقد يدخل في شعور تمني زوال النعمة عن غيره غير قاصد فيعاني أشرس أمراض القلب، حقيقي الرضا هو الحل الوحيد الجالب للسكينة، ومصالحة الذات، والحياة، والناس، والتنفس براحة، كبائعة الفجل التي كنت كلما مررت عليها وأنا في طريقي إلى المدرسة وسمعت المارة يسألونها (إزيك يا ام دهب) ردت وهي تبتسم بفم خال من الأسنان رضا والحمد لله.* لاحظت وربما لاحظتم أن الإعلام يشكل حياتنا بالقوة القهرية من خلال الزن بالإعلانات حتى من خلال المادة السياسية المهمة في النشرات يدخل الإعلان فيقطع الخبر ويقدم نفسه ضاغطا عليك لتستمع (غصب عنك) وتشتري (غصب عنك) ويستمر الزن المستهتر براحتنا أو أذواقنا أو رغباتنا ليرغمك باعلاناته الراقصة لتتذوق ما يختاره لك من طعام، ويستمر الإعلام في الضغط فينتقي لك ملابسك، غترتك، دشداشتك، سفراتك، رحلاتك، موديل سيارتك، مواصفات زوجتك، شقتك، أثاث بيتك، الإعلام لا يترك شيئاً إلا يدس أنفه فيه بقوة، وجرأة وسخافة، وأنا وأنت لا نتمرد، أنا وأنت مستسلمان تماماً لا نملك إلا الانصياع لذوق الإعلام واختياراته، لا نملك إلا الشراء، إلا اللبس، إلا الأكل والبلع، لنصبح دون وعي منزوعي الرأي والاسم!! بجد لم يعد لنا خيار وكيف ذلك والجهاز القاهر أمامك يمسك بتلابيبك، يشدك من شعرك لتتابعه، وتطيعه وتقتني ما يطلب منك اقتناءه، حتى عندما تتعب وتحاول إغماض عينيك يخرج لك صوت أخينا المذيع ليقول لك (مش حتقدر تغمض عنيك) وفوراً يزج لك بصورة راقصة تتلوى في فيلم قديم وانت وشطارتك يا تفتح يا تغمض عينيك!! رحم الله إعلام زمان المحترم.* في السنوات الفائتة انتقدت بشدة الذين كانوا يطوفون ببيت الله الحرام، وبدل الاستغراق التام في الخشوع، والدعاء، والبكاء كانوا يردون على الجوال أو ينشغلون بتحديد أماكنهم في الحرم لذويهم، فقد يستمع السائر إلى جوار هؤلاء إلى حوار لا يتصور أحد أن ينشغل به الحاج وهو في الحرم، الآن تطور الأمر فقد انشغل بعض الحجيج هذا العام بالتصوير (سيلفي) أمام الكعبة، وفي الحرم النبوي، وعند رمي الجمرات، وعند مرتفع الصفا والمروة، مع كل شعيرة صورة (سيلفي) وقد يبدو ما تقدم مذهلاً لمن تصور أن مجرد استحضار العبد لذنوبه وما اقترفه من (بلاوي) قادر أن ينسيه من فرط الندم نفسه، بل قد يستشعر من فرط التقصير بمشاعر تدخله في نوبة بكاء طويل تنسيه ما حوله ومن حوله، غير مفكر أبدا أن يمسك بموبايله (لتشيير) صورة (سيلفي) التقطها لنفسه وكأنه يقول لناسه وأصحابه، وجيرانه، ورواد الفيس بوك (شايفني أنا بحج)! ناسياً حج الرياء والسمعة، ثم أين الخشوع، أين الخضوع، أين الأوبة والتوبة، بل أين الحج يا حاج؟!* سألوا الحكيم يوما ما الفرق بين من يتلفظ بالحب ومن يعيشه؟ قال الحكيم سوف ترون الآن، ودعاهم إلى وليمة وبدأ بالذين لم تتجاوز كلمة المحبة شفاههم، ولم ينزلوها إلى قلوبهم ثم أحضر الحساء وسكبه لهم واحضر لكل واحد منهم ملعقة بطول متر، واشترط عليهم أن يحتسوا الحساء بهذه الملعقة العجيبة، حاولوا جاهدين، لكنهم لم يفلحوا، فكل واحد منهم لم يستطع أن يوصل الحساء إلى فمه دون أن يسكبه على الأرض، وقاموا جائعين في هذا اليوم، ثم قال الحكيم والآن انظروا، ودعا الذين يعرف أنهم يحملون الحب داخل قلوبهم إلى نفس المائدة وقدم إليهم نفس الحساء، والملاعق الطويلة، فأخذ كل واحد ملعقته وملأها بالحساء ثم مدها إلى جاره الذي بجانبه، وبذلك شبعوا جميعا، ثم حمدوا الله، هنا وقف الحكيم ثم قال في الجمع حكمته والتي عايشوها عمليا والتي مفادها من يفكر أن يشبع نفسه فقط على مائدة الحياة فسيبقى جائعاً، ومن يفكر في أن يشبع أخاه فسيشبع الإثنان معاً.* طبقات فوق الهمس* قطعوا لسانيقطعوه يوما عندما سمعوهيصرخ في براءته القديمةعند اعتاب الكباراني احبُ.. ولا أحبصاحوا جميعاكيف (لا) دخلت لقاموس الصغارصلبوا لساني علقوه على الجدارقطعوه في وضح النهارمن يومها وانا اقول ولا أقولوأرى لساني جثة خرساءينظر في ذهول.(فاروق جويدة)* الناس أحرار في أن يبوحوا بأفراحهم أو يكتموها، المهم ألا تكون متطفلاً يدس أنفه في شؤونهم الخاصة دون دعوة أو عزومة.