18 سبتمبر 2025

تسجيل

حجاج خمس نجوم.. وحجاج يتأملون النجوم

12 أكتوبر 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عاد حجاج بيت الله الحرام إلى ديارهم بعد أيام قضوها في رحاب أطهر بقاع الأرض. يختلف الحجيج في أسباب قدومهم لأداء المناسك. الميسور منهم اعتاد أداء الفريضة كلما تاقت نفسه لرؤية الكعبة المشرفة، والصلاة في رحابها. بينما آخرون امتهنوا الحج وربما بات مورد رزقهم، سواء كان مقاولاً لحملة أو مرشداً لها أو مشاركاً في بعثة رسمية. في حين أن الأغلبية الساحقة من الحجيج هم من الفقراء المُعدمين الذين يحققون بوصولهم إلى أعتاب بيت الله الحرام حلماً من أحلامهم سعوا سنوات لتحقيقه.كثيرة هي العلامات المضيئة التي تحيط بمناسك الحج، وهي علامات يتنافس على بحثها والتفصيل فيها علماؤنا الأجلاء. فلا يختلف اثنان على أن رحلة الحج تتضمن محطات مليئة بالأجواء الإيمانية، لكن ما يتجنبه الكثيرون وعلى رأسهم علماؤنا الأجلاء (حرصاً على إبقاء صورة الركن الخامس ناصعة في الأذهان)، هو الإشارة إلى بعض الأمور التي تسيء إلى صورة مناسك الحج وتساهم في حجب بريقها.من المعروف أن أحد الدروس من فريضة الحج هي المساواة بين المسلمين في العبادة للعلي القدير دون تفرقة أو تمييز بينهم. فهم يبيتون معاً في مشعر منى، ثم يتوجهون جميعاً إلى عرفات حيث يقفون على جبل الرحمة تحت أشعة الشمس الحارقة، لينفروا بعد ذلك جنباً إلى جنب إلى مزدلفة، فيفترشون أرضها ويلتحفون سماءها، ليقوموا مع شروق شمس اليوم التالي بجمع الحصى لرميها في الجمرات. هذا في الأصل، لكن على أرض الواقع الأمور مختلفة. فالظروف التي يؤدي فيها حجاج بيت الله الحرام مناسك الحج لم تعد متساوية. فرغم القرب الجغرافي بين الحجاج في المشاعر، إلا أن مسافات شاسعة تفصل بين الأغنياء وأقرانهم من الفقراء. ولعلّ النُسك الوحيد الذي مازال يتشارك فيه الحجاج الأغنياء والفقراء دون تفرقة هو الطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة. أما ما دون ذلك، فقد بات هناك حجاج خمس نجوم، وحجاج يقضون الليل وهم يتأملون النجوم في السماء.فأماكن سكن الأغنياء في المشاعر المقدسة مجهزة بكل وسائل الراحة، من تكييف وفرش مريحة وبيوت خلاء نظيفة، في الوقت الذي يبحث الحجاج الفقراء عن مساحة ظل يستظلون بفيئها. والطعام الذي يتناوله الأغنياء خلال أداء المناسك لا يُقارن بالفتات الذي يقتاته الحجاج الفقراء. حتى الرجم في مشعر منى، فقد علمت أنه تم تخصيص مكان للميسورين والزعماء والسياسيين، فتصل سياراتهم الفارهة إليه، حيث يفتحون النافذة ويرمون الحصيات، ثم يعودون من حيث أتوا. هذا بالطبع إذا تجاوزنا أمر المواصلات بين المناسك التي تشكل أحد المشاق الرئيسية لحجاج بيت الله الحرام. فبينما الحجاج الفقراء يتنقلون بين المشاعر مشياً على الأقدام أو جالسين على أسقف باصات وسيارات معدة لنقل البضائع، يتنقل الأغنياء بوسائل نقل مكيّفة لا يشعرون بالمسافة، لأنهم يقضون الوقت بالنوم، ولا يستيقظون إلا على صوت ينبّههم بالوصول إلى المحطة التالية من مناسك الحج.التفرقة بين الحجاج الفقراء والأغنياء لا تبدأ من المناسك، بل تسبق ذلك بالصلاة في المسجد الحرام بمكة المكرمة. حيث يفترش الآلاف أرجاءه والساحات المحيطة به، لا يغادرونه إلا لقضاء الحاجة، فهم لا يملكون المال الذي يتيح لهم المبيت في مكان آخر. يقضون نهارهم وليلهم في أرجاء الحرم والمناطق المحيطة، ينامون، يأكلون، يقرأون القرآن، يتسابقون على الأماكن المستوية والقريبة من الظل. لا أسرّة لهم ولا فرش، هو مجرد بساط عليه سجادة صلاة، أما الوسادة فالحذاء يفي بالغرض. يقتاتون بما يجود عليهم به بعض المصلين، أو ما بقي من طعام في الزوايا وصناديق القمامة. على بعد أمتار قليلة من أكوام البشر هؤلاء، تنتصب فنادق خمس نجوم، مليئة بمسلمين يدفعون آلاف الدولارات لقاء الاستمتاع بإطلالة على الكعبة المشرفة. هم لا يتكبدون عناء الصلاة في الحرم، بل يؤدونها من غرفهم أو في مصلى الفندق المطل على البيت العتيق. هم يتجنبون الوقوف إلى جانب الفقراء، فربما يتّسخ ثوبهم، أو تزكم أنوفهم من الروائح الكريهة، وربما يُصابون بعدوى من مرض.. لذلك هم يحرصون على إشاحة نظرهم عمن يفترشون الأرض، يكتفون بتأمل الطائفين حول الكعبة، يرفعون أكفّ الضراعة، يبتهلون إلى الله يرجون رحمته، يسألونه أن يغير حال المسلمين إلى أحسن حال، لكن لا يخطر في بال هؤلاء أنهم قادرون على التغيير بتحسين أوضاع المسلمين، لاسيما من حولهم. ربما لهذا السبب ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الفقراء يسبقون الأغنياء بدخول الجنة بخمسمائة عام.