19 سبتمبر 2025
تسجيلحصل ما هو متوقع من بعد انتخابات السابع من يونيو الماضية في تركيا.الانتخابات التي لم تسفر عن قدرة أي من الأحزاب تشكيل حكومة بمفرده كانت محطة فاصلة بين مرحلتين. مرحلة حكم الحزب الواحد ومرحلة البحث عن استقرار بالتشارك بين أكثر من حزب.لقد تعودت تركيا على حزب العدالة والتنمية لمدة 13 عاما. وحين بانت الانتخابات عن إخفاق بيّن للحزب في الانتخابات الماضية انقلبت الأمور رأسا على عقب.ثلاثة أحداث مهمة بل مفصلية على الأقل في عناوينها المعلنة.الأول إعلان الحكومة الحرب ضد "داعش" والثاني إعلان الحكومة الحرب على حزب العمال الكردستاني والثالث فتح قاعد إينجيرليك أمام طائرات التحالف الأميركي الدولي لضرب "داعش" في سوريا والعراق. وكل هذه المحطات الثلاثة حصلت بعد الانتخابات النيابية وليس قبلها من دون أن تكون هناك مسببات خطيرة تقود إلى الإعلان عن تلك الخطوات.مسار التطورات كان يؤشر إلى اتجاهها في منحى واحد وهو الحرب ضد حزب العمال الكردستاني. وفي الواقع ومما جرى فإن كل الأمور مرتبطة بمحاولة تغيير نتائج الانتخابات النيابية الماضية عبر الذهاب إلى انتخابات نيابية جديدة علها تعيد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منفردا.تحدد موعد الانتخابات في الأول من نوفمبر المقبل. أي بعد أقل من شهر ونصف الشهر. ثلاثة أشهر إلا نيفا أمضتها تركيا وهي تحاول تشكيل حكومة ائتلافية. حزب العدالة والتنمية لم يكن في وارد التنازل عن سياساته الرئيسية في الداخل والخارج. ورئيس الجمهورية كان يريد نتائج مختلفة للإنتخابات تغيّر النظام من برلماني إلى رئاسي مطلق تجعل من رئيس الجمهورية الرجل الأول والأقوى في البلاد. لم يحدث هذا فكانت اختلاط الأوراق وقرع طبول التوترات.من أبرز تجليات هذا التوتر السياسي كان الانتقال إلى الحرب على حزب العمال الكردستاني عبر غارات شنها سلاح الجو التركي منذ العشرين من يوليو الماضي وحتى اليوم على قواعد الحزب في داخل تركيا وفي شمال العراق في جبال قنديل حيث تتمركز قيادة الحزب. والحرب بين الدولة التركية وبين المتمردين الأكراد لا تزال سجالا منذ العام 1984.لم تعد الأرقام مهمة. أكثر من ثلاثين أو أربعين ألف قتيل من الطرفين سقطوا على امتداد الـ 35 سنة الماضية. حكومات مدنية وعلمانية وقومية وإسلامية وائتلافية وعسكرية تناوبت على السلطة لكن أحدا منها لم ينجح في حل المشكلة الكردية. تحولت القضية إلى حكاية الدجاجة والبيضة.أيهما أولا: ترك السلاح أم التوصل إلى حل سياسي؟. ولقد جرّبت كلتا الوسيلتين ولا سيما في السنوات الأخيرة ولكن أيا منها لم يسفر عن نتيجة. لا شك أن تطورات الشرق الأوسط ولا سيما بعد إعلان الفدرالية الكردية في العراق وتقدم الأكراد في سوريا على امتداد الحدود مع تركيا أضاف تعقيدات على المشهد الكردي في تركيا. لكن يبقى بيت القصيد في الحل الكردي في تركيا بيد الأتراك أنفسهم وبالتحديد من يكون ممسكا بالسلطة. للأكراد مطالب تبدأ من التعلم بلغتهم في مدارسهم والاعتراف بهويتهم وحقوقهم الثقافية في الدستور، كما حدث في العراق، وصولا إلى أقصى حد ممكن من الحكم الذاتي خارج أي نزعة إنفصالية. لكن الحكومات التركية لم تعط الأكراد شيئا. ظلوا بنظر "التركي الأبيض" بمثابة "الكردي الأسمر" من الدرجة الثانية. وبقي إنكار حقوقهم عنوانا لكل الحكومات تحت ذرائع شتى. مسؤولية حزب العدالة والتنمية وأردوغان تحديدا تبقى أكبر من مسؤولية من سبقوه. إذ تفرد في السلطة 13 عاما ولم تكن أحداث سوريا قد بدأت حين كان هناك إجماع عليه. كانت الفرصة مؤاتية والتعاون من دول الجوار على أشده. مع ذلك لم يتم تقديم أي "تنازل" للأكراد. اليوم الظروف أكثر تعقيدا. والتشاؤم أكبر من أي وقت مضى. لعبة عض الأصابع لن تنتهي قبل صدور نتائج الانتخابات النيابية المقبلة. وإلى حينها لن يهدأ جحيم النار ومواكب جنازات المحاربين من الطرفين.