11 سبتمبر 2025
تسجيللهم مواقف، وفي مواقفهم مشاعر حية، لأنهم بشر ولم يخرجوا عن الدائرة الإنسانية التي جبلهم الله تعالى عليها، ولم ينفصلوا يوماً عن واقعهم والأحداث التي تأتي عليهم فهم قادة في حركة الحياة ونهضتها، وصُنّاع خير في أمة الخيرية وكذلك للإنسانية، وكبار في مشاعرهم وتصرفاتهم، ومع أنفسهم وغيرهم فرضي الله عنهم وأرضاهم. وإذا خلت القلوب من المشاعر الصادقة وميدانها ساحات العمل، فلا تنتظر منها إلاّ الجفاء والقسوة في حركة حياتها، والأنانية وهذا هو الأسوأ. فالآن ما أن يبرز فلان مستشارا، وآخر مفكرا إستراتيجيا وثالث مخططا وصاحب أفكار للنهضة، ورابع أما تعرفني، فإذا هو لا شيء مع مشاعر صُنَّاع الحياة في تاريخنا الضارب الجذور. وهنا نأتي على بعض من مشاهد مشاعر صُنَّاع الحياة، فكل مشهد من مشاهدهم يصنع قيمة للفرد والمجتمع والأمة والإنسانية، فهم رضي الله عنهم يصنعون بمشاعرهم الأفراح والتفاؤل لهم ولمن حولهم ولغيرهم، وصدق القائل: أُولَئِكَ النَّاسُ إِنْ عُدُّوا وإِنْ ذُكِرُوا *** وَمَا سِوَاهُمْ فَلَغْوٌ غَيْرُ مَعْدُودِ المشهد الأول: "استأذَنَ أبو بكرٍ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ فسمِعَ صوتَ عائشةَ عاليًا فلمَّا دخلَ تناولَها ليلطِمَها وقالَ لا أراكِ ترفعينَ صوتَكِ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ فجعلَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ يحجِزُهُ فخرجَ أبو بكرٍ مغضَبًا فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ حينَ خرجَ أبو بكرٍ كيفَ رأيتِني أنقذتُكِ منَ الرَّجلِ فمكثَ أبو بكرٍ أيَّامًا ثمَّ استأذنَ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ فوجدَهما قدِ اصطَلحا فقالَ لَهُما أدخِلاني في سِلمِكما كما أدخلتُماني في حربِكما فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِه وسلَّمَ قد فعَلْنا قد فعَلْنا". المشهد الثاني: قال عُمرُ رضيَ اللهُ عنه "غَدَوْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "فإذا هو قاعِدٌ وأبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنه، وإذا هُمَا يَبكِيانِ، فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، أَخبِرْني ماذا يُبكيكَ أنتَ وصاحِبَكَ، فإنْ وَجدْتُ بُكاءً بَكَيْتُ، وإنْ لمْ أَجِدْ بُكاءً تَباكَيْتُ لبُكائِكُما...". المشهد الثالث: جَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا في البَيْتِ، فَقَالَ: أيْنَ ابنُ عَمِّكِ فَقَالَتْ: كانَ بَيْنِي وبيْنَهُ شيءٌ، فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِندِي، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِإِنْسَانٍ: انْظُرْ أيْنَ هو فَجَاءَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هو في المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُضْطَجِعٌ، قدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عن شِقِّهِ فأصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمْسَحُهُ عنْه وهو يقولُ: قُمْ أبَا تُرَابٍ، قُمْ أبَا تُرَابٍ". المشهد الرابع: أن رسول الله آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار. فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعاما. فقال له سلمان: كل. قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك لتفطرن. فأكل معه. ثم بات عنده، فلما كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان وقال: إن لجسدك عليك حقا. ولربك عليك حقا. ولأهلك عليك حقا، صم، وأفطر، وصل، وائت أهلك، وأعط كل ذي حق حقه. فلما كان وجه الصبح، قال: قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله بالذي أمره سلمان. فقال له: يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقا، مثل ما قال لك سلمان". ◄ "ومضة" ويا سقى الله تعالى هذه المشاعر الحية من صُنَّاع الحياة، وما أكثر مشاهدهم، وهي تنبض بالخير إلى أن يرث الأرض ومن عليها، فرضي الله عنهم. فمشاعرهم دروس لأهل للحياة في الزمن الصعب!. [email protected]