12 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تتبعتُ بدايات ما أصبح يُصطلح عليها بـ"الأزمة الخليجية" التي بدأت ببث معلومات مكذوبة تم تسريبها بواسطة اختراق وكالة الأنباء القطرية، ونُسبت إلى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وقد تمت عملية التسريب والاختراق يوم 24 مايو 2017 بعد انقضاء نصف ساعة على منتصف الليل. وقد أورت صحفية الواشنطن بوست الأمريكية نقلا عن مصادر من المخابرات الأمريكية أن دولة الإمارات العربية المتحدة كانت وراء عملية الاختراق هذه، رغم أن الإمارات حاولت نفي ذلك. وقد أعقب عملية التسريب هذه قيام ثلاث دول من منظمة التعاون الخليجي بقطع علاقاتها مع دولة قطر وفرض حصار شامل عليها برًا وجوًا وبحرًا، وتبعت هذه القرار مصر ودول أخرى من بينها موريتانيا في الضفة الأخرى من المغرب العربي. واللافتُ للانتباه أن قرار الحصار تم في الخامس من يونيو، وهو يومٌ له ذكرياته الأليمة في الذاكرة العربية، فهذا اليوم يرمز لانتصار القوات الصهيونية على ما يعرف بدول الطوق العربي في حرب النكسة عام 1967، التي تلقت فيها مصر خصوصا وسوريا ضربة قاصمة احتلت بموجبها إسرائيل أجزاء شاسعة من الأراضي العربية وفي مقدمتها صحراء سيناء، وابتلعت إسرائيل من جرائها ما بقي من الأراضي الفلسطينية. وقد قادت الدبلوماسية مختلف المؤسسات القطرية بدءا من صاحب السمو ووزير خارجيته الذي تنقل للعديد من العواصم، حيث لم نسمع له أو لغيره من المسؤولين القطريين أي كلمة جارحة تجاه أشقاء تسببوا للشعب القطري في جرح عميق عبر محاولة تجويعه من خلال فرض حصار قد لا يُقْدِمُ عليه حتى الأعداء وقت الحروب، والدخول في حرب إعلامية مفضوحة ضد قطر وضد مسؤوليها تتنافى مع كل القيم والأخلاقيات والأعراف بما فيها الأدبيات المتعارف عليها في وسائل الاتصال والإعلام. كما أن قناة الجزيرة التي كانت قد عرفت في السابق تراجعا نسبيا في نسبة المشاهدة خاصة في الوطن العربي بعد أن مُست مصداقيتها بسبب ما يعرف بثورات الربيع العربي عادت لها مصداقيتها الكبيرة ليس في الشارع العربي فقط، ولكن لدى الرأي العام الدولي الذي تجند للدفاع عن مكسب الحق في الإعلام واعتبار الجزيرة حصنا من حصون وقلاع الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير الحر في العالم العربي خصوصا. لقد كان يدور بذهني وأنا في طريقي إلى قطر قبل أسبوعين أنني سأجد الناس في هذا البلد تتهافت على شراء السلع، وأنني سأجد أعصابهم متوترة بسبب الحصار، وأنني سأجد الدوحة خالية من الناس في هذا الفصل الذي يفترض فيه أنه فصل عطلة للقطريين والمقيمين. ولكن كم كانت مفاجأتي كبيرة بالنسبة لبلد عرفته منذ سبعة عشر عاما خلت، مثلما عرفت قبله عددا من دول الخليج الأخرى. فالمحلات الكبيرة والصغيرة على السواء عامرة بالسلع من مختلف الدول وبشكل أكثر تنوعا مما كان عليه الأمر في السابق، والناس لا يعرفون أي تهافت لا على هذه السلعة أو تلك. وأكثر من هذا فقد لاحظتُ أن هذه الأزمة وحَّدت القطريين وغير القطريين المقيمين في هذا البلد ليعيشوا السكينة والاطمئنان رغم الحصار. لقد كنتُ ألاحظ طيلة أسبوعين قضيتهما في الدوحة أن القطريين الذين كانوا يقضون عطلتهم الصيفية عادة في هذا الوقت خارج بلادهم بقوا هذه المرة رغم الحر الشديد مرابطين في ديارهم، وبالتعبير القطري هم "صاملون" أي صامدون. ثم إنك وأنت تدخل المقهى (أي مقهى) وتدخل المطعم (أي مطعم) في الدوحة تجد، خصوصا في ساعات المساء بعد انتهاء أوقات العمل، القطريين وقد تجمعوا منهمكين في حوارات هادئة بعيدا عن الصخب الذي قد نراه في عواصم عربية أخرى حتى في حالات الهدوء. ثم إنه لا يخلو مكان ما من الدوحة إلا وتجد فيه ورشة لرسام يتفنن في رسم صور الأمير تميم الذي تم تعليق صوره فوق البنايات وفوق السيارات بشتى أنواعها، فهذا الحصار قد زاد من شعبية الأمير وعزز ثقة شعبه فيه، حيث يبدو أن الحصار كان يرمي إلى عكس ذلك. ثم إن القطريين وهم يستمعون إلى أغاني "الشيلة " حتى في المحلات التجارية، وهي أغاني وطنية شعبية قطرية، تجد أن لا حديث لهم إلا عن الظلم الذي طالهم من قبل إخوة لهم في الجيرة والدين والرحم. فالأزمة تخلق الهمة، والأزمة لا تؤدي عند الحكماء إلى حالات الإرباك والعجز، بل هي دافع قوي لذوي العقول والهمم العالية للاعتماد على الذات بابتكار كل ما من شأنه أن يعمل على إحداث التنمية البشرية، ويجعلها تبتكر وتبدع وتستثمر لصالح الإنسان في شتى المجالات. ولعل أبرز الإشارات السياسية التي قدمها أمير قطر لأشقائه المُحَاصِرين المُحَاصَرِين للخروج من الأزمة هي ضرورة الابتعاد عما وصفه بالجهود العبثية الهادفة للكيد ضد الأشقاء، في ظل حل قائم على الحوار عبر احترام سيادة كل دولة وإرادتها، وألا يوضع هذا الحوار في صيغة إملاءات من قبل طرف على طرف آخر. إن مهبط الديانة الإسلامية لا يجب أن يتحول إلى مجرد تابع في لعبة سياسية تُحدث الحرائق هنا أو هناك، وتزرع الوهم وتنال الشوك وتمزق الشعوب وتنهك إراداتها في النهوض من كبوتها التي طالت. مهبط الوحي والرسالة المحمدية لا يجب أن ينتج خطابا لليأس أو يتبنى سياسات الحروب الخاسرة وتفريخ زعامات لا تعرف إلا المكائد سعيا لكرسي مهزوز، بدلا من البحث عن مستقبل يعيد الأمل لشعوب ضائعة. مهبط الوحي يجب أن ينتج خطابا للعقل واستشراف المستقبل يجمع ولا يفرق، يحث على النهوض ولا يعيدنا لحروب "داحس والغبراء"، فقد ولَّى زمانها وبَادَ رجالُها وزالت عصبياتها. في الختام هل يعرف الأشقاء المحاصِرون أن خطاب أمير دولة قطر قد تابعه حسب صحيفة "دير شبيغل" الألمانية الصادرة يوم 22 يوليو 2017، 119 قناة تلفزيونية في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا، وشاهده 156 مليون مشاهد في الشرق الأوسط و91 مليون مشاهد خارج المنطقة العربية. فهل نجح الحصار؟!!